للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفرت منه قلوب الرعية من الترك والعوام، واختار كل أحد من الناس عود الملك الناصر محمد.

ثم صار جماعة من المماليك الناصرية يتسحبون تحت الليل ويتوجهون إلى الملك الناصر بالكرك، ويتركون بيوتهم وأولادهم، فلما بلغ الملك المظفر بيبرس ذلك أرسل إلى الملك الناصر محمد، الأمير مغلطاي والأمير قطلوبغا وبيدهما كتاب إلى الملك الناصر، مضمون تلك المطالعة تهديد الملك الناصر ووعيده بكل سوء، وارسل يقول له: "إن لم ترجع عن مكاتبتك إلى الأمراء، وإلا جرى عليك كما جرى على أولاد الملك الظاهر بيبرس البندقداري ونفيهم إلى القسطنطينية … وأنت تعلم ذلك فلا تحوجنا إلى أن نفعل ذلك كما فعل أخوك الأشرف خليل بأولاد الظاهر بيبرس" كما تقدم. فلما وصلت مطالعة الملك المظفر إلى الملك الناصر محمد اشتد غضبه على الأمير مغلطاي وقطلوبغا اللذين أرسلها الملك المظفر، وضرب الأمير مغلطاي بالمقارع لأنه أغلظ عليه في القول، ثم اعتقله هو والأمير قطلوبغا في الجب.

ثم أن الملك الناصر أرسل مكاتبة إلى نائب حلب وإلى نائب طرابلس، وإلى نائب صفد، وإلى نائب حماة، يقول لهم فيها: "لما اشتد عليّ الضنك من الأمراء خرجت لهم من مصر، وتركت لهم الملك، ورضيت من الدنيا بأحقر المساكن وأضيق الأماكن ليستريح خاطري من النكد … فما تراجعوا عني، وأرسل المظفر يهددني بالنفي إلى القسطنطينية مثل أولاد الظاهر بيبرس البندقداري، وأرسل يطلب مني مالا لا أقدر عليه. وأنتم تعلمون ما لوالدي الملك المنصور عليكم من حق العتق والتربية. وما أظنكم ترضون لي بهذا الحال. فأما أنكم تكفون عني أذى هؤلاء الأمراء الذي يتعصبون علي، وأما أني أتوجه إلى بعض بلاد التتار وألتجئ إليهم قبل ما يرسلني الملك المظفر إلى بلاد الكفار".

ثم أرسل الملك الناصر إلى النواب مطالعة الملك المظفر التي أرسلها له بالتهديد، وكان الذي توجه إلى النواب بمطالعة الملك الناصر شخصا يسمى تاج الدين أوزان من أبناء العجم. فلما وصلت هذه المطالعات إلى النواب أخذتهم الحمية على ابن أستاذهم، وتعصبوا له، وأرسلوا يقولون له: "متى أردت أن تتحرك إلى التوجه إلى مصر فنحن طوع يدك ومماليك أبيك". .. فلما عاد الجواب إلى الملك الناصر بذلك أخذ في أسباب التوجه إلى مصر، فخرج من الكرك ومعه جماعة من العربان، فلما وصل إلى البرج الأبيض من أعمال البلقاء أرسل نائب الشام أقوش الأفرم يعرف الملك المظفر بذلك، وكان نائب الشام هذا من عصبة المظفر، فلما وقف الملك المظفر على مطالعة نائب الشام وتشاور مع الأمير سلار النائب عينوا إلى الملك الناصر تجريدة، وعينوا بها من الأمراء الأمير سيف

<<  <  ج: ص:  >  >>