فيها ثقل على الملك الصالح على المرض وثقل الدم. فلما كانت ليلة الجمعة رابع شهر شعبان سنة سبع وثمانين وستمائة، توفي الملك الصالح علي إلى رحمة الله تعالى. فلما مات حزن عليه والده الملك المنصور حزنا شديدا، وكان الأمراء جلوسا على باب الستارة ينتظرون ما يكون من أمره، فلما وقع الصراخ في دور الحرم دخل الأمير طرنطاي نائب السلطنة فوجد السلطان مكشوف الرأس وكلوتته مرمية على الأرض وهو يبكي ويصيح.
فلما رآه الأمير طرنطاي على هذه الحالة رمى الآخر كلوتته عن رأسه، ثم أن بقية الأمراء دخلوا على السلطان، وألقى الكل كلوتاتهم عن رءوسهم وأقاموا على ذلك ساعة، ثم أن الأمير طرنطاي النائب أخذ كلوتة السلطان في يده وقبل الأرض هو والأمير سنقر الأشقر الذي تسلطن بدمشق، وناولها للسلطان، فدفعه وقال:"ايش بقيت أعمل بالملك بعد ولدي؟ ". .. ثم صبروا له ساعة، وقام الأمراء جميعا كلهم وقبلوا الأرض ووضعوا كلوتة السلطان على رأسه.
واستمر العزاء قائما في تلك الليلة، فلما أصبحوا يوم الجمعة أخذوا في أسباب تجهيزه، فأخرجوه وصلوا عليه عند باب الستارة، ثم نزلوا به من باب المدرج، فأراد السلطان أن يمشي في الجنازة فمنعه الأمراء من ذلك. فكان له مشهد عظيم، وذلك في يوم الجمعة قبل الصلاة، فمشت قدامه الناس قاطبة إلى تربة والدته خوند خاتون التي في طريق السيدة نفيسة بجوار المدرسة الأشرفية، فدفن هناك.
فلما أصبح يوم السبت نزل السلطان إلى زيارة قبر ولده وجلس عنده في ذلك اليوم، واستمر الميتم ممتدا سبعة أيام.
ولما مات السلطان الملك الصالح علي، خلف ولدا ذكرا يسمى الأمير موسى، وهو صاحب الربع الذي في الغرابليين. ومات الملك الصالح وله من العمر نحو عشرين سنة، وكان والده قلاون أشركه في السلطنة من سنة تسع وسبعين وستمائة، واستمر على ذلك حتى مات في سنة سبع وثمانين وستمائة، فكان أكبر أولاد قلاون. قال ابن خلكان (١): لما مات السلطان الملك الصالح كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر كاتب السر الشريف عن لسان أبيه الملك المنصور قلاون إلى نائب الشام وغيره من النواب مطالعات، ضمنها ما جرى على السلطان من فقد ولده، فقال عن لسان والده: "نحمد الله تعالى على حزن
(١) - أنظر هذا: فان ابن خلكان توفى سنة ٦٨١ والملك الصالح توفى سنة ٦٧٨.