وفيها أمر السلطان بتوسعة الجامع الذي في القلعة، توسعه وبنى به المئذنة الخضراء، وزخرفه بالرخام الملون وبنى به القبة الخضراء، وقيل انتهت منه العمارة في أربعة أشهر وخمسة وعشرين يوما.
[سنة ثماني عشرة وسبعمائة (١٣١٨ م)]
فيها جرد السلطان العسكر إلى نحو برقة بسبب فساد العربان لأنهم قد منعوا غنم الزكاة وأظهروا العصيان، فجرد إليهم السلطان وأخذ أغنامهم وجمالهم وقتل منهم جماعة وهرب الباقون إلى نحو بلاد الغرب.
وفي هذه السنة أجرى السلطان ماء النيل من البحر إلى قلعة الجبل، وعمل مجراة جارية على قناطر مبنية بالحجر، وركز للمياه آبارا، وجعل عليها سواقي نقالة في عدة أماكن.
وفي هذه السنة عمر السلطان الحوش الكبير الذي بالقلعة وزرع به بستانا، ونقل إليه الأشجار والرياحين من سائر الأماكن حتى من البلاد الشامية ومن مكة، وطلع فيه الكادي وجوز الهند وغير ذلك من الفواكه.
وفي هذه السنة قوى عزم السلطان على أن يحج في تلك السنة - وهي الحجة الثانية - فعين معه جماعة من الأمراء المقدمين اثنى عشر أميرا، ومن الأمراء الطبلخانات والعشراوات ثلاثين أميرا. وحج مع السلطان في تلك السنة الملك المؤيد عماد الدين اسماعيل صاحب حماه، وحج صحبة السلطان من المباشرين القاضي علاء الدين بن الأثير الكاتب السر الشريف، والقاضي فخر الدين ناظر الجيوش المنصورة، والقاضي كريم الدين ناظر الخواص الشريفة، وغير ذلك من المباشرين … فخرج السلطان من القاهرة في تاسع ذي القعدة، فجدّ في السير حتى دخل إلى مكة قبل الصعود بثلاثة أيام، فكنس مكان الطواف ومسحه بيده، ثم صعد إلى الجبل وقضى مناسك الحج ورجع إلى مكة وأقام بها أياما وفرق على الفقراء الذين بمكة جملة من المال، وأبطل أشياء كثيرة من المكوس التي كانت بمكة.
ثم توجه إلى زيارة قبر رسول الله ﷺ، ودخل المدينة الشريفة وهو ماش على أقدامه حافيا، فلما دخل المدينة فرق على الفقراء خمسين ألف دينار، ثم توجه إلى نحو القاهرة فدخلها في أوائل صفر، وكان يوم دخوله إلى القاهرة يوما مشهودا.