حزنا به بالصبر أجورا فاخرة، فكان قصدنا أن نجعله ملكا في الدنيا فاختار الله تعالى أن يكون ملكا في الآخرة".
وفي هذه السنة توفي الشيخ ناصر الدين ابن النقيب، وكان من أعيان شعراء مصر، وله شعر جيد في نوع التورية، فمن ذلك قوله:
جودوا لنسجع بالمديح على علاكم سرمدا فالطير أحسن ما يغرد عندما يقع الندى.
[سنة ثمان وثمانين وستمائة (١٢٨٩ م)]
فيها في ثالث عشر صفر خرج السلطان على حين غفلة إلى نحو البلاد الشامية، وتوجه نحو طرابلس، وحاصر اهلها ونصب على سورها المجانيق، واستمر يحاصرها أربعة وثلاثين يوما ففتحها بالسيف عنوة في يوم الثلاثاء رابع عشر ربيع الآخر من سنة ثمان وثمانين وستمائة، فوردت البشائر إلى الديار المصرية بفتح مدينة طرابلس وجبيل.
ثم أن السلطان عاد إلى الديار المصرية فزينت له وحملت على رأسه القبة والطير، وكان له يوم مشهود لم يسمع بمثله.
وفيها جاءت الأخبار بأن ملك النوبة هجم على مدينة أسوان ونهب أسواقها وأحرق جرونها، فجرد إليه الأمير أيبك الأفرم، فلما أن وصل إلى هناك هرب منهم ملك النوبة، فتبعه العسكر والأمير عز الدين أيبك الأفرم إلى آخر بلاد النوبة، فغنموا منهم أشياء كثيرة - من عبيد وجوار وخيول وغير ذلك - ورجع العسكر إلى الديار المصرية وهم في غاية النصرة.
وفي هذه السنة توفي الشيخ ظهير الدين بن البارزي الدمشقي، وكان عالما فاضلا وله شعر جيد، فمن ذلك قوله:
يذكرني وجد الحمام إذا غنى … لأنا كلينا في الهوى نعشق الغصنا
[سنة تسع وثمانين وستمائة (١٢٩٠ م)]
فيها عزم السلطان إلى العود إلى السفر ليحاصر مدينة عكا. فخرج من القاهرة في ثامن عشر شوال من السنة المذكورة، فلما نزل بالريدانية وأقام بها حتى يتكامل خروج العسكر، وجد في جسده توعكا وحمى، فصار الأمر في كل يوم يتزايد عليه حتى ثقل في المرض. وكان الملك المنصور قلاون لما مات ولده الملك الصالح علي، عهد من بعده إلى ولده خليل ولقبه بالأشرف، فلما سلسل السلطان، اضطربت الأحوال، وصار ولده خليل