ينزل إليه من القلعة في كل يوم ويتفقد أحواله ثم يرجع إلى القلعة، وكانت الأمراء يدخلون على السلطان في كل يوم صحبة الحكماء. فلما زاد الأمر على السلطان وتغير حاله منع الأمير طرنطاي الأمراء من الدخول على السلطان.
فلما تحقق الأمراء موت السلطان جاءوا إلى الأمير طرنطاي النائب وقالوا له:" أنت تعلم ما بينك وبين ولد السلطان من حظوظ النفس من أيام والده. وقد صار الأمر إليه والسلطان ما بقي يرجى. ومتى صار الحكم إلى ولده فهو قاتلك لا محالة … فبادر إليه وأمسكه قبل أن يمسكك ونحن كلنا عصبتك ". .. فسكت الأمير طرنطاي ساعة وقال:" كيف أمسك ابن أستاذي أو أقتله؟ فايش يشاع على بين الناس؟ ولكن أنا مملوك السلطان ومملوك ولده. فان رضيني وابقاني على حالي كان الفضل له، وان قتلني صرت شهيدا من جملة الشهداء".
ثم أن السلطان قلاون دخل في النزع، فجلس الأمير طرنطاي عند رأسه حتى مات وغمضه بيده. فلما أصبح الصباح جاءت الأمراء على العادة فلم يمكنهم من الدخول على السلطان. ثم أنه أرسل خزائن المال والأطلاب التي كانت مع السلطان برسم السفر. ثم أن الأمير طرنطاي أرسل عرف ولد السلطان الملك الأشرف خليل أن والده قد مات، وأشار عليه أنه يقيم في القلعة ولا ينزل، ووكل به مقدم المماليك.
ثم أن الأمير طرنطاي حمل السلطان قلاون وهو ميت في محفة وطلع به إلى القلعة بعد المغرب، فغسله وكفنه ونزل به في تابوت بعد العشاء والأمراء والقضاة وأعيان الناس مشاة قدامه. وكثر عليه الحزن والأسف من الناس إلى أن وصلوا به إلى البيمارستان، فصلوا عليه هناك ودفن داخل القبة التي بين القصرين، وكانت وفاته يوم السبت سادس ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة، ودفن في ليلة الأحد، وكانت مدة توعكه تسعة عشر يوما، وكانت مدة سلطنته بالديار المصرية والبلاد الشامية احدى عشرة سنة وثلاثة أشهر وستة أيام، فمات وكأنه لم يكن … فكان كما قيل في المعنى:
كل ابن أنثى وان طالت سلامته … يوما على آلة حدباء محمول
ولما مات الملك المنصور قلاون خلف من الأولاد ثلاثة ذكور، وهم: الأشرف خليل، والناصر محمد، والأمير أحمد ولد بعد وفاة أبيه.
وكان المنصور قلاون حسن الشكل، مربوع القامة، درى اللون، وكان قليل الكلام بالعربي، وكان شجاعا بطلا مقداما في الحرب، وكان مغرما بمشتري المماليك حتى قيل أنه تكامل عنده اثنا عشر ألف مملوك، وقيل سبعة آلاف مملوك. ومما يدل على علو همته