للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحسن اعتقاده عمارة البيمارستان الذي بين القصرين، ولا سيما ما فعله فيه من وجوه البر والصدقات ووقف الأوقاف الجليلة، وشرط في وقفه ما لم يشرطه احد من الملوك قبله ولا بعده، وقد كفاه ذلك شرفا في الدنيا والآخرة.

ومن محاسنه أنه غير تلك الملابس الشنيعة التي كانت تلبسها العسكر في الدول القديمة. قيل كانت كلوتاتهم من الصوف الأزرق الغميض، وهي مضربة عريضة بغير شاش، وكانت المماليك تربي لهم ذوائب من الشعر خلفهم ويجعلونها في أكياس حرير أحمر أو أصفر، وكانوا يشدون في أوساطهم بنودا بعلبكية عوضا عن الحوائص، وكانت خفافهم برغالي أسود، وكانوا يشدون فوق قماشهم ابزيم جلد وفيه حلق نحاس وفيها صوالق برغالي أسود، وهي كبار يسع الصولق الواحد نصف ويبة قمح، وكان لهم في ذلك الابزيم معلقة من الخشب كبيرة وسكين كبيرة، وكانت لهم مناديل من الخام قدر فوطة كبيرة لمسح أيديهم. وكانوا يربون لهم شوارب قدر السلفة الكتان. فلما تولى الملك المنصور قلاون أمر العسكر أن يغيروا هذه الملابس الشنيعة، ويدخلوا في الهيئة المطبوعة وكانت خلع المقدمين من العنتابي، فأمر لهم بالخلع المخمل الأحمر والأخضر بالفرو السمور. وهو أول من أسكن المماليك في أبراج القلعة وسماهم المماليك البرجية.

وأما ما افتتحه الملك المنصور قلاون في أيامه من الفتوحات فهو المرقب وجبلة من بلاد الافرنج، وفتح طرابلس الغرب، واللاذقية، وجبيل، والكرك والشوبك … كانت بيد أولاد الملك بيبرس البندقداري فأخذها منهم.

وأما ما أبطله في أيامه من المظالم، فهو أنه كان من قديم الزمان وظيفة تسمى ناظر الزكاة - وهو من يأخذ ممن عنده مال زكاته - فان مات ذلك الرجل صاحب المال أو عدم ماله فيتم ذلك القدر المقرر عليه في الدفاتر باقيا يؤخذ من أولاده أو من ورثته أو من أقاربه ولو بقي منهم واحد … فأبطل الملك المنصور قلاون ذلك إلى يومنا هذا وسطر في صحائفه.

ومما أبطله من المظالم أيضا أنه كان يؤخذ مال من أهل مصر للمبشرين إذا حضروا يبشرون بفتح حصن أو بنصرة عسكر أو بما أشبه ذلك، وكان يجبي من أهل مصر على قدر طاقتهم في السعة، فأبطل ذلك.

وكان يجبي من أهل مصر عند وفاء النيل المبارك ثمن الحلوى والفاكهة والشوى، برسم السماط الذي يوضع في المقياس يوم الوفاء، فأبطل ذلك عن الناس جميعه، وجعل مصروفه من بيت المال، وأبطل أشياء كثيرة من هذا النمط.

وكان من أجل ملوك الترك قدرا، وأعظمهم أخبارا وذكرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>