خلافته بمصر نحو تسع وعشرين سنة وشهرين. ومات عن غير ولد فتولى من بعده ابن عمه المستنصر بالله.
- الحافظ لدين الله
هو أبو الميمون عبد المجيد الحافظ لدين الله، ابن المستنصر بالله، وهو الثامن من خلفاء بني عبيد الله الفاطمي، بويع بالخلافة بعد قتل الآمر بأحكام الله، وكان الحافظ لدين الله رجلا حليما، لين الجانب، قليل الأذى، فطمعت فيه الرعية، واضطربت في أيامه أحوال الديار المصرية، واستولت الفرنج على البلاد، وكثر منهم الفساد، وطمع الفلاحون في أهل مصر، وامتنعوا من وزن الخراج، وتعطل الأمر وما راج.
قال الشيخ شمس الدين الذهبي:" إن الشيخ أبا عبد الله الأندلسي دخل إلى مصر في أيام الحليفة الحافظ - وكان الشيخ أبو عبد الله له يد طائلة في علم السيمياء - فأحضره الحافظ بين يديه وقال له: "أرنا شيئا من علم السيمياء". فامتنع من ذلك، فألح عليه، فأراه مساحة القصر كأنها لجة ماء وفيها سفينة كبيرة وحولها شواني حربية، فوقع بينهما الحرب والقتال، فكانت بينهم السيوف تلمع، وسحائب القسي تمطر، والبنود تخفق، والرءوس تهدر، والدماء تسيل … فلا يشك الناظر في حقيقة ذلك. ثم أن أصحاب السفينة سلموا إلى أصحاب الشواني فساروا بها والطبول تضرب والبوقات تزعق حتى غابوا عن الأبصار، ثم ذهبت تلك اللجة الماء التي كانت في القصر بأمواج تتلاطم كالجبال، فلما رأى الحافظ ذلك تعجب منه، وكان حوله جماعة من خواصه فأشاروا عليه بقتل الشيخ أبي عبد الله، وقالوا هذا يفسد عقول الناس، فلم يوافقهم الحافظ على قتله. ثم قال للشيخ: "أرني شيئا في هؤلاء الذين قد أشاروا بقتلك". فقال له الشيخ: "مرهم يمضوا إلى منازلهم". فقال الحافظ لمن حوله: "انصرفوا إلى منازلكم". فلما انصرفوا صار كل من يركب دابته يراها في صفة الثور العظيم، ولها في رأسها قرون طوال، فتحيروا في ذلك، ورجعوا إلى الحافظ، وذكروا له ما جرى لهم في دوابهم، فضحك وقال لهم: "أفدوا دوابكم منه". فما منهم إلا من أعطاه شيئا حتى أطلق لهم دوابهم".
قيل إن الحافظ كان يشتكي بألم القولنج، فصنع له الحكيم شبرماه الديلمي طبل باز من المعادن السبعة، وهو مرصود في وقت معلوم، فكان من خاصية هذا الطبل إذا ضرب عليه أحد خرج منه ريح، وهذه الفائدة كانت لدفع القولنج، وكان الحافظ يعتريه هذا المرض فصنع له ذلك الطبل بسبب القولنج.