وفي هذه السنة أمر السلطان بإحضار القاضي محيي الدين بن فضل الله العمري - كاتب سر الشام - فلما حضر إلى الأبواب الشريفة خلع عليه السلطان، واستقر به كاتب السر الشريف بمصر. وهو الذي يقول فيه الشيخ جمال الدين بن نباتة:
يا سائلي عن كاتب السر الذي … يعزي علاه إلى أب أواه
هذاك غيث الله محيي الأرض من … بعد الممات، وذاك فضل الله
ومما يحكى عن القاضي محيي الدين هذا أنه كان إذا دخل على الملك الناصر في وقت العلامة يجمع ما فيها من الرمل الذي يتناثر من العلامة بحضرة السلطان، فيجمع ذلك كله ولا يرمي منه شيئا، ويضعه في مرملته التي لنفسه، ويقول:"هذا رمل سعيد لا يرمي منه شيء". فكان إذا كتب شيئا رمله من ذلك الرمل الذي جمعه من العلامة بحضرة السلطان.
وفيها حضر إلى الأبواب الشريفة صاحب حماة - وهو الملك المؤيد عماد الدين - وصحبته هدايا جليلة وتقادم عظيمة، فأكرمه السلطان غاية الاكرام، وأقام بالقاهرة أياما ثم توجه إلى بلاده.
[سنة ثمان وعشرين وسبعمائة (١٣٢٨ م)]
فيها برزت المراسيم الشريفة ببناء قناطر على الخليج الناصري الذي حفره السلطان الملك الناصر، فبنى قنطرة عند الميدان الكبير بموردة الجبس، وبنى قنطرة تعرف الآن بقنطرة قديدار، قيل إن الأمير قديدارا كان مشرفا على عمارتها فنسبت إليه، وبنى قنطرة بظاهر باب البحر، وبنى قنطرة عند بركة قرموط تعرف الآن بقنطرة العسرا، وبنى قنطرة عند بركة الرطلي تعرف الآن بقنطرة الحاجب كان مشرفا على عمارتها فنسبت إليه، وبنى قنطرة عند زقاق الكحل تعرف الآن بالقنطرة الجديدة … فهذه القناطر من إنشاء الملك الناصر محمد بن قلاون.
[سنة تسع وعشرين وسبعمائة (١٣٢٩ م)]
فيها حفر السلطان الملك الناصر البركة الناصرية المنسوبة إليه المجاورة للميدان الكبير، وأجرى إليها الماء من الخليج الناصري.
وفي هذه السنة أخرج السلطان ولده الأمير أحمد إلى مدينة الكرك ورسم له بأن يقيم بها، فعبى له سنيحا عظيما وتوجه إلى هناك.