للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة (١٤٢٠ م)]

فيها توفى المقر الصارمي ابراهيم ابن السلطان المؤيد شيخ. وقيل أن أباه المؤيد سمه في حلوى، وسبب ذلك أن سيدي إبراهيم كان شجاعا بطلا لا يمل من الحرب والقتال، فمالت إليه قلوب الجند. وكان الملك المؤيد لا يزال يعتريه ضربان المفاصل، وكان قد ثقل عن الحركة، فكان يحمل على أكتاف المماليك إذا نقل من مكان إلى مكان، فقال القاضي ناصر الدين بن البارزي للملك المؤيد: "إن العسكر يقصدون خلعك من السلطنة ويولون سيدي إبراهيم". .. فحسن له أن يشغله، فلما شغله ومات حزن عليه الناس حزنا شديدا، ودفن داخل القبة التي في الجامع المؤيدي.

فلما كان يوم الجمعة حضر السلطان المؤيد في الجامع، وصلى الجمعة في مأتم ابنه، فخطب القاضي ناصر الدين بن البارزي في ذلك اليوم خطبة في معنى ذلك حتى ينفي عنه كلام الناس، فروى وهو على المنبر هذا الحديث الشريف عن رسول الله أنه لما أن دخل على ولده إبراهيم وجده يجود بنفسه، فلما رآه رسول الله جعلت عيناه تذرفان وقال: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإننا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" فلما سمع الملك المؤيد ذلك شق عليه وقال في نفسه: "يغريني على ولدي حتى أقتله ثم يندمني عليه؟ ". .. فلما فرغ القاضي ناصر الدين من صلاة الجمعة قدم إليه سلطانية سكر وشغله فيها، فتوجه إلى بيته وأقام أياما ومات، والمجازاة من جنس العمل.

[سنة أربع وعشرين وثمانمائة (١٤٢١ م)]

فيها ثقل الملك المؤيد في الضعف ولزم الفراش، واستمر على ذلك أياما حتى مات في يوم الاثنين تاسع المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة، فغسل في القلعة وكفن وصلى عليه ونزلوا به من القلعة والأمراء مشاة قدامه حتى توجهوا به إلى جامعه، فلم يدخلوا به من باب زويلة ودخلوا به من الباب الذي عند الخضريين.

وقيل مات وله من العمر خمس وستون سنة، وخلف من الأولاد صبيا وبنتين، وهو سيدي أحمد الذي تسلطن بعده، وهو ابن خوند سعادات. وكانت احدى بناته متزوجة بالأتابكي قرقماس الشعباني، والأخرى متزوجة بالأمير يشبك الفقيه الدوادار، وهي أم ولده سيدي يحيى.

فكانت مدة سلطنة الملك المؤيد شيخ بالديار المصرية والبلاد الشامية ثماني سنين وخمسة أشهر وثمانية أيام. وكان ملكا جليلا كفئا للسلطنة، عارفا بأحوال المملكة، وافر

<<  <  ج: ص:  >  >>