للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قطز وتولى الملك الظاهر بيبرس، كما تقدم، أظهر الأمير سنجر العصيان وتسلطن بالشام.

فلما بلغ الظاهر بيبرس ما وقع من الأمير سنجر كتب إليه كتابا يوبخه فيه بقبيح فعله، وأمره بالرجوع عن ذلك، فعادت الأجوبة بالمخالفة وعدم الطاعة، وقد وافقه على العصيان جماعة من النواب، واضطربت أحوال البلاد الشامية والحلبية في أوائل دولة الملك الظاهر بيبرس … منها ما أفسده عسكر هلاكو من نهب البلاد وقتل العباد، ومنها عصيان النواب وسلطنة سنجر، واضطربت أحوال الملك الظاهر في أوائل دولته، ووثب عليه المماليك المعزية، فقبض على جماعة من الأمراء المعزية والمماليك، وقتل منهم جماعة، ونفى منهم جماعة، حتى صفا له الوقت من الكدر وأمن الحذر.

[سنة تسع وخمسين وستمائة (١٢٦١ م)]

في يوم الاثنين تاسع عشر شهر رجب حضر من بغداد إلى الديار المصرية شخص من ذرية بني العباس يقال له الإمام أحمد. وهو ابن الخليفة الظاهر بأمر الله، ابن الخليفة الناصر لدين الله، ابن الخليفة المستنصر بالله العباسي الهاشمي، فلما بلغ الملك الظاهر قدومه خرج إلى تلقيه. فلما وصل إلى المطرية تلاقى هناك هو والإمام أحمد العباسي، وكان الإمام أحمد هذا أسمر اللون، وأمه أم ولد حبشية، فلما وقعت عين الملك الظاهر عليه نزل عن فرسه، ونزل الإمام أحمد عن فرسه، واعتنقا ثم ركبا ومرا في القاهرة، ودخلا من باب النصر، فزينت له القاهرة، وكان له موكب عظيم ويوم مشهود لم يسمع بمثله. فلما وصلا إلى القلعة طلع الإمام أحمد مع السلطان إلى القلعة، فأنزله السلطان في قاعة الأعمدة، فأقام بها أياما.

ثم أن الملك الظاهر قصد أن يثبت نسبا للإمام أحمد بأنه من درية بني العباس، فإن الخلافة كانت شاغرة من حين قتل الخليفة المستعصم بالله في سنة ست وخمسين وستمائة، وكان قدوم الإمام أحمد إلى الديار المصرية في سنة تسع وخمسين وستمائة، فكانت مدة شغور الخلافة نحو أربع سنين إلا أشهرا. فأمر الملك الظاهر بعقد مجلس في قاعة الأعمدة، وجمع القضاة ومشايخ الأولياء وسائر الأمراء وأرباب الدولة، وكان في صدر المجلس المشار إليه الشيخ عز الدين بن عبد السلام شيخ الإسلام .

فلما تكامل المجلس، تأدب الملك الظاهر مع الإمام أحمد، وجلس بين يديه بغير مرتبة، ثم ان السلطان أمر بإحضار العربان الذين حضروا صحبة الإمام أحمد من بغداد - وكان فيهم طواشي من بغداد - فشهدوا كلهم بين يدي قاضي القضاة تاج الدين الشافعي ابن بنت الأعز بأن الإمام أحمد هذا هو ابن الخليفة الظاهر بأمر الله، ابن الخليفة الناصر لدين الله،

<<  <  ج: ص:  >  >>