ووالدي - دام بقاء سؤدده - … لم يبق فيها للكمال موضعا
فانظر إلى حسن أدبه، مع بلوغ القصد وحسن ما وقع له بالتورية مع تضمين اسمه وعدم الحشو، وحسن المقابلة بين الحلو والمر، وهذا في غاية الرقة.
ومن الحوادث في أيام الملك الظاهر جقمق أن البلاد لما شرقت رسم للمقطعين بأن البلاد التي رويت من ماء النيل في تلك السنة يأخذون عنها من الفلاحين القطيعة قطيعتين، ففعلوا ذلك ومشى هذا الأمر.
ومن الحوادث في أيامه أن بركات، أمير مكة، كان قد أظهر العصيان، فتوجه إليه القاضي شرف الدين الأنصاري فحضر صحبته، فلما وصل نزل إليه السلطان ولاقاه من المطعم، فدخل صحبته وطلع إلى القلعة، فخلع عليه واكرمه وزالت تلك الوحشة التي كانت بينهما.
[سنة سبع وخمسين وثمانمائة (١٤٥٣ م)]
فيها توعك جسد السلطان ولزم الفراش وسلسل في المرض. فلما ثقل عليه الضعف أرسل خلف أمير المؤمنين القائم بالله حمزه والقضاة الأربعة، فلما حضروا عهد بالملك إلى ولده المقر الفخري عثمان، وخلع نفسه من السلطنة، واستمر عليلا ملازم الفراش إلى أن توفى في ليلة الثلاثاء رابع شهر صفر سنة سبع وخمسين وثمانمائة، فغسلوه وكفنوه وصلى عليه الخليفة حمزة بالقلعة، ونزلوا من باب المدرج، وتوجهوا به إلى تربة قانباي الجركسي التي عند دار الضيافة فدفن هناك، وكثر عليه الحزن والأسف من الناس.
وقيل مات وله من العمر نحو احدى وثمانين سنة. وكانت مدة سلطنته بالديار المصرية والبلاد الشامية وما مع ذلك أربع عشرة سنة وعشرة أشهر ويوما وقيل يومين.
وكان ملكا عظيما جليلا دينا خيرا متواضعا كريما يحب فعل الخير. وكان عنده لين جانب، يحب العلماء وينقاد إلى الشريعة، ويقوم إلى العلماء إذا دخلوا عليه. وكان يحب الأيتام ويكتب لهم الجوامك، ولا يخرج اقطاع من له ولد إلا إلى ولده. وكانت الدنيا في أيامه هادئة من الفتن والتجاريد - وكان يحسن للأمراء التراكمة ويعطيهم العطايا الجزيلة، فكانوا تحت طاعته في مدة ولايته.