فيها جرد السلطان وخرج بنفسه هو والعساكر إلى حصار مدينة عكا وكانت بيد الافرنج، فلما وصل إلى عكا حاصر أهلها أشد المحاصرة، ونصب حول المدينة خمسة وسبعين منجنيقا، وحاصرها مدة أيام فأعطاه الله النصر وفتحها بالسيف في يوم الجمعة سابع عشر جمادي الآخرة سنة تسعين وستمائة، فلما افتتحها هدم سورها وقلعتها. وكانت عكا بيد الافرنج، وكانوا يقطعون على المسافرين الطريق، ويأخذون أموال التجار، ويقتلون كل من لقوه من المسلمين. فلما فتح الملك الأشرف خليل مدينة عكا توجه من هناك إلى جبت وبيروت، فافتتحهما في تلك السنة.
قال الشيخ شمس الدين الذهبي في تاريخه: إن عكا كانت من أحسن المدائن في العمارة والبناء الفاخر. فلما فتحها الملك الأشرف خليل وهدم سورها هرب أهل المدينة منها وصارت خرابا من يومئذ، وصار الناس من حينئذ ينقلون منها الرخام الملون مدة طويلة، ومن جملة ما نقل منها الباب الرخام الأبيض الذي على المدرسة الناصرية التي بين القصرين، وكان هذا الباب على كنيسة، فنقل إلى القاهرة فأخذه الملك الناصر ابن قلاون ووضعه على باب مدرسته التي أنشأها بجانب البيمارستان. قيل لما فتحت عكا قتل في مدة المحاصرة من الأمراء اثنا عشر أميرا، وقتل بها العزى نقيب الجيوش المنصورة، وهو صاحب سويقة العزى سميت به. وقتل يوم الفتح من المماليك السلطانية نحو مائة وعشرين مملوكا.
ثم أن الملك الأشرف خليلا لما فتح عكا رجع إلى الديار المصرية وهو في غاية النصر والعظمة، فدخل من باب النصر، وشق في المدينة وزينت له. وكان يوم دخوله يوما مشهودا والأمراء مشاة بين يديه، والأمير بيدرا نائب السلطنة حامل القبة والطير على رأسه، ولعبوا بالغواشي الذهب بين يديه. وكان القضاة الأربعة وأرباب الوظائف راكبين بين يديه، وكان له موكب عظيم. فلما وصل إلى البيمارستان ثنى عنان فرسه ونزل وزار قبر والده قلاون، ثم ركب وطلع إلى القلعة، فخلع على الأمراء ونزلوا إلى بيوتهم، وانقض الموكب.
ومن غرائب الاتفاق أن الشيخ شرف الدين الأبوصيري - ناظم البردة - رأى في منامه، قبل مسير الملك الأشرف خليل إلى حصار عكا في شوال سنة تسع وثمانين وستمائة، كأن قائلا ينشد هذه الأبيات: