فلما انتبه الشيخ شرف الدين من منامه أخبر بهذه الرؤيا جماعة من أصحابه، فلما توجه الأشرف خليل إلى عكا فتحها الله على يديه، فكان الأمر كما قال الهاتف في منامه، وأخذت عكا. وفي ذلك يقول القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر - كاتب السر الشريف - هذين البيتين:
يا بني الأصفر قد حل بكم … نقمة الله التي لا تنفصل
نزل الأشرف في ساحلكم … فأبشروا منه بصك متصل
ولما رجع الملك الأشرف من هذه الغزوات، عظم في نفسه، واستخف بالأمراء، فأخذ في أسباب القبض على جماعة منهم، فقبض على الأمير حسام الدين لاجين السلحدار، وكان نائبا. فلما رجع مع السلطان إلى الديار المصرية بعد فتح عكا قبض عليه وقيده وأرسله إلى السجن بقلعة صفد، ثم أمسك الأمير سنقر الأشقر الذي كان قد تسلطن بدمشق كما تقدم، وقبض على الأمير طقصو، وقبض على الأمير جرماك، ثم قبض على أميرين ما يحضرني أسماهما ثم أرسل خلف الأمير لاجين الذي كان في السجن بقلعة صفد، فلما حضر أكملهم سبعة من الأمراء وسجنهم بقلعة الجبل في برج الحية. فلما كانت ليلة الأحد أمر بخنق هؤلاء الأمراء جميعهم، فخنقوا في البرج تحت الليل. فلما أخرجوهم ليدفنوهم وجدوا الأمير لاجين نائب الشام فيه بعض نفس، فأخبروا السلطان بذلك، فعطف عليه وأمر بأن يفرج عنه، فكان كما قيل:"الحي مالو قاتل، ولو قتل ما مات". .. وكيف يموت وقد كتب الله له في اللوح المحفوظ أن يكون سلطانا بمصر كما سيأتي ذكر ذلك في موضعه؟
فلما عوفي الأمير لاجين أنعم عليه السلطان بتقدمه ألف.
ثم أن السلطان أمر بالإفراج عن الأمير بيسري، وكان في السجن بثغر الاسكندرية، وكان سبب ذلك أن السلطان لما حضر من السفر ومر بالمدينة، واجتاز أمام قصر بيسري