للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقبض عليه وهو في أثناء الطريق وقيده - وكان هذان الأميران سببا في سلطنته - فما شكره أحد من الناس على ذلك.

ثم أنه أقام في السلطنة إلى سلخ ذي القعدة من سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، فتوجه إلى السفر، فخرج في يوم الاثنين ومعه جماعة من الأمراء والعسكر، فلم يعلم أحد أين يريد. فلما خرج من القاهرة توجه قاصدا نحو الكرك الذي هو محط رحاله وبغية آماله، وكان لما أضمر على التوجه إلى الكرك دخل إلى الخزائن السلطانية وأخذ منها ما قدر عليه من الأموال الجزيلة والتحف الجليلة، فوصل إلى الكرك يوم الثلاثاء من ذي الحجة، فعمل عيد النحر بها، وكان لما توجه إلى السفر أخذ الأمير طشتمر حمص أخضر معه وهو مقيد في محفة، ثم أحضر الأمير قطلوبغا الفخري بين يديه وهو مقيد لما وصل إلى الكرك، فأمر باعتقاله في قلعة الكرك هو والأمير طشتمر.

[سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة (١٣٤٢ م).]

في خامس المحرم اجتمع الأمراء في سوق الخيل، وقالوا: "إن أحوال المملكة ضائعة، والسلطان لا يلتفت لشيء من ذلك. فأرسلوا كاتبوه في الحضور إلى مصر، فان حضر فذاك، وأن لم يحضر فولوا غيره". فكتبوا كتابا عن لسان الأمراء كلهم، وأرسلوه على يد خاصكي يقال له طقتمر الصلاحي، فأخذ الكتاب ومضى إلى الكرك فوصل في حادي عشر المحرم. فلما اجتمع بالسلطان وقرأ ما في الكتاب كتب للأمراء جواب ذلك الكتاب الذي أرسلوه وهو يقول فيه: "ان الشتاء قد دخل، واني قد اخترت الإقامة بالكرك إلى أن يمضي الشتاء وبعد ذلك أحضر إلى مصر". ثم أخرج الأمير طشتمر حمص أخضر والأمير قطلوبغا الفخري من السجن، ووسطهما بالسيف في ميدان قلعة الكرك بحضرة ذلك الخاصكي طقتمر الصلاحي … وهذا الأمر لا يقع إلا من المجانين الذين في عقلهم خلل، مع أن هذين الأميرين كانا سببا لسلطنته، ولكن:

لا تفعل الأعداء في جاهل … ما يفعل الجاهل في نفسه

ومما قاله ابراهيم المعماري في الأمير طشتمر حمص أخضر:

جننت بالملك لما … أتاك بالبسط ماجن

وقد أمنت الليالي … يا حمص أخضر وداجن

وقوله فيه أيضا:

أوردت نفسك ذلا … ورد النفوس المهانة

<<  <  ج: ص:  >  >>