هذا ما كان من أخبار الملك المظفر بيبرس … وأما ما كان من أمر الملك الناصر فانه لما خرج من الشام ووصل إلى غزة لاقاه الأمير بيبرس الدوادار والأمير بهادر آص اللذان أرسلهما الملك المظفر، فقدما إليه مطالعة الملك المظفر والخلع الذي أشهد به على نفسه. فلما رأى ذلك الملك الناصر فرح وقال:"الحمد لله الذي صان دماء المسلمين عن القتال! ". وخلع على ذينك الأميرين الخلع السنية.
ثم أن الملك الناصر كتب أمانا وأرسله إلى الملك المظفر على يد الأمير بيبرس والأمير بهادر آص، وعادا إلى مصر فوجدا الملك المظفر توجه إلى أطفيح. فلما رأيا ذلك أرسلا له ذلك الأمان وهو في أطفيح … فكانت مدة غيبة الأميرين سبعة أيام ذهابا وإيابا إلى أن عادا بالجواب.
ثم أن الملك الناصر خرج من غزة، وجد في السير فوصل إلى بركة الحاج في سلخ شهر رمضان فعيد هناك، فخرج إليه الأمير سلار النائب وقبل له الأرض، وكذلك سائر الأمراء من الأكابر والأصاغر والقضاة الأربعة وأعيان الناس. ثم أن الملك الناصر صلى صلاة العيد هناك، وطلع إلى القلعة في موكب عظيم، وحملت القبة والطير على رأسه، وفرشت تحت حوافز فرسه الشقق الحرير من بين الترب إلى أن طلع إلى القلعة وجلس على سرير الملك … وقد قال القائل في المعنى:
فاستبشرت مصر وهنأ بعضها … بعضا بعودته إلى الأوطان
- عود الملك الناصر
هاد الملك الناصر محمد بن قلاون إلى السلطنة، وهي السلطنة الثالثة.
فلما كان يوم الخميس ثاني شوال سنة تسع وسبعمائة، فيه عمل السلطان الموكب، وطلع إلى القلعة الخليفة المستكفي بالله سليمان ومعه القضاة الأربعة، وبايع الملك الناصر بالسلطنة، ولبس خلعة السلطنة - وهي جبة سوداء وعمامة سوداء بعذبة زركش وسيف بداوي متقلد به - فجلس على سرير الملك وجميع الأمراء من كبير وصغير قبلوا له الأرض وهو جالس في الايوان الأشرفي. ثم خلع على سائر الأمراء والنواب الذين حضروا معه خلع الاستمرار، وخلع على الخليفة المستكفي بالله سليمان والقضاة الأربعة وأرباب الدولة من أصحاب الوظائف.
ثم في ذلك اليوم قبل الأرض الأمير سلار النائب، وطلب من السلطان أن يعفيه من النيابة، وأن يقيم بالشوبك لأنها كانت جاربة في جملة اقطاعه … فأجابه السلطان إلى ذلك،