وخلع عليه خلعة السفر وخرج من يومه إلى الشوبك، فكانت مدة نيابته بالديار المصرية احدى عشرة سنة وأياما. وكان مستحقا للسلطنة أكثر من المظفر بيبرس الجاشنكير، ولكن كان سلار قانعا بالنيابة. وهو نافذ الكلمة، وافر الحرمة، كثير المال … فقنع بذلك عن السلطنة كما قيل في المعنى:
إذا منعتك أشجار المعالي … جناها الغض فاقنع بالشميم
ثم أن السلطان عمل الموكب الثاني، وخلع على الأمير بكتمر الجوكندار واستقر به نائب السلطنة عوضا عن سلار. ثم أن السلطان أرسل الأمير بيبرس الدوادار والأمير بهادر آص إلى الملك المظفر بيبرس، وكان قد توجه نحو اخميم من أعمال الصعيد. فلما اجتمعا به تلطفا معه في القول حتى استخلصا منه ما كان أخذه من بيت المال من الأموال والتحف، وكذلك ما كان أخذه من الخيول الحواص، وأخذا منه ما كان معه من المماليك، ثم قالوا له إن السلطان يقول لك:"امضي إلى الكرك وأقم بها، وهو يرسل إليك من هناك عيالك وأولادك". فقال الملك المظفر:"السمع والطاعة". ورحل من يومه وتوجه من هناك من طريق السويس.
ثم أن الأمير بيبرس الدوادار والأمير بهادر آص رجعا إلى القاهرة ومعهما الأموال والخيول والمماليك الذين كانوا مع المظفر، فلما حضروا إلى الملك الناصر وبلغه توجه المظفر من جهة السويس إلى الكرك، أرسل إليه الأمير استدمر كرجي وهو في أثناء الطريق، فقبض عليه وأحضره إلى الأبواب الشريفة، فطلع إلى القلعة في الليل، وذلك في ليلة الخميس رابع عشر ذي القعدة، فلما طلع إلى القلعة أودعه السلطان في البرج.
فلما كان صبيحة يوم الخميس وقت الظهر في خلوة، مثل بين يديه ووبخه بالكلام، وعدد له ما وقع من القبائح في حقه، ثم أمر بخنقه بين يديه فخنق بوتر حتى مات وقضي نحبه، وذلك في يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة من سنة تسع وسبعمائة، فلما مات أرسله السلطان إلى زوجته، وأمر بأمر يدفن في تربة بالقرافة فدفن هناك مدة … ثم أن بعض الأمراء تداخل على السلطان بأني نقل ويدفن في خانقاته التي أنشأها عند الدرب الأصفر بالقرب من خانقاه سعيد السعداء، فكانت مدة سلطنة الملك المظفر بيبرس الجاشنكير بالديار المصرية أحد عشر شهرا وأياما.
وكان بيبرس مليح الشكل، أبيض اللون، أشقر اللحية، أشهل العينين، وافر العقل، حسن السيرة، وكان كفؤا للسلطنة كثير البر والخير والمعروف والصدقات.