قال ابراهيم بن وصيف شاه:"كان طولون والد الأمير أحمد أصله من مماليك الخليفة المأمون، فولد له الأمير أحمد هذا، فلما انتشأ طلع شجاعا بطلا عالي الهمة سعيد الحركات، تولى على مصر في أواخر خلافة المتوكل في سنة خمس وخمسين ومائتين.
ولما دخل مصر كان في أضيق حال، يحتقره كل من يراه. قيل كان بمصر رجل من الأعيان يقال له على بن معبد البغدادي، وكان في سعة من المال، فلما بلغه حضور الأمير أحمد خرج إلى تلقيه، فلما رآه في ضيق حال أرسل إليه عشرة آلاف دينار فقبلها، ورأى بها موقعا، وحظى ذلك الرجل عنده، فكان لا يتصرف في شيء من الأمور إلا برأي ذلك الرجل. وتضاعفت عنده منزلته إلى الغاية".
قال ابن وصيف شاه:"لما تولى الأمير أحمد ابن طولون على مصر أخذ في أسباب عمارة قرى مصر وعمارة جسورها وقناطرها، وحفر خلجانها وسد ترعها، فاستقامت أحوال الديار المصرية في أيامه بعد ما كانت قد تلاشى أمرها إلى الخراب، وانحط خراجها في أيام من تقدمه من العمال. فلما حصلت العمارة والعدل عم الرخاء سائر أعمال الديار المصرية حتى بيع القمح في أيامه كل عشرة أرادب بدينار، وعلى هذا فقس في جميع البضائع. ووصل خراج مصر في أيامه - مع وجود هذا الرخاء - أربعة آلاف ألف دينار وثلثمائة ألف دينار غير المكوس".
قال ابن وصيف شاه: "فلما تم أمر الأمير أحمد ابن طولون في ولايته على مصر، واستقامت أحواله بها استكثر من مشتري المماليك الديالمة حتى بلغت عدتهم أربعة وعشرين ألف مملوك، وبلغ مشتري عبيده أربعين ألفا من العبيد الزنج، واستكثر من شناترة العرب حتى بلغت عدتهم سبعة آلاف إنسان. فعند ذلك سطا على الخلفاء، وادعى الخلافة لنفسه بمصر، وانفرد بخراجها. فحاربه الخليفة المعتضد بالله أشد المحاربة فلم يقدر عليه، فخضع له وأرسل بخطب ابنة ابنه الأمير خمارويه - وهي الست قطر الندى - فأصدقها مائة ألف دينار. وأتت من مصر إلى بغداد في محفة، وكانت مدة توجهها من الديار المصرية إلى بغداد ستة أشهر، فكانت تمشي كما تمشي السحابة. فلما حضرت إلى