قال الكندي: لما كانت خلافة عمر بن الخطاب ﵁ أرسل جيشا إلى مصر، وكان أمير الجيش عمرو بن العاص ﵁ فلما وصل إلى مصر أقام يحاصر أهلها ثلاثة أشهر، وكان المقوقس في قصر الشمع، وكان قصر الشمع مطلا على بحر النيل، وكانت السفن ترسو تحته. فلما رأى المقوقس أن العرب أشرفوا على أخذ المدينة نزل في مركب من باب قصر الشمع وتوجه إلى نحو الاسكندرية هاربا، وكان يعلم أن العرب لا بد أن تملك مصر، وسبب ذلك
قال أبو الحسن المسعودي: كان بقصر الشمع في الكنيسة المعلقة صنم من النحاس الأصفر راكب على جمل من النحاس الأصفر، وهو زي العرب وعلى رأسه عمامة وفي رجليه نعلان من جلد، فكانت القبط والروم إذا تظالموا في شيء بينهم واعتدى بعضهم على بعض يتحاكمون عند ذلك الصنم النحاس، ويقفون بين يديه فيقول المظلوم للظالم:
"أنصفني قبل أن يجيء هذا الرجل الأعرابي فيأخذ الحق لي منك إن رضيت أو لم ترض". فكانوا يعنون بذلك عمرو بن العاص ﵁.
وقيل كان بالإسكندرية باب لا يزال مغلقا دائما وعليه أربعة وعشرون قفلا، فعزم على فتحه المقوقس. فلما قوى عزمه على ذلك اجتمعت عليه القسيسون والرهبان وسألوه ألا يفتح ذلك الباب وأن يجعل عليه قفلا كما فعل من تقدمه من الملوك، فلم ينته عن فتحه، فقالوا له نحن نعطيك ما خطر ببالك أنه فيه من المال ولا تفتحه، فلم يسمع لهم شيئا وفتحه. فلما دخل فيه لم يجد به شيئا من المال، ورأى على حيطانه منقوشا تصاوير العرب وهم على خيولهم بعمائمهم وسيوفهم في أوساطهم وهم على الإبل. ورأى في صدر ذلك المكان كتابة بالقلم الرومي، فأتى بمن قرأ ذلك الخط، فإذا معناه: إذا فتح هذا المكان تملك العرب المدينة في تلك السنة التي يفتح فيها … فكان الأمر كذلك، وملكت العرب