ثم أن السلطان رجع إلى دمشق، ورسم للأمير بيدرا النائب بأن يأخذ العسكر ويتوجه إلى القاهرة، فأخذ الأمير بيدرا في أسباب التوجه إلى القاهرة، وأخذ معه الأمراء والعسكر، ورجع إلى مصر، وأقام السلطان بدمشق على سبيل التنزه، ثم توجه إلى الديار المصرية ودخل القاهرة في موكب عظيم وكان له يوم مشهود لم يسمع بمثله، وزينت له القاهرة بالزينة الفاخرة، وسار في الموكب مثل العروس، حتى طلع القلعة وجلس على سرير المملكة أحسن جلوس.
وفي هذه السنة توفي القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر كاتب السر الشريف، وكان مولده في سنة عشرين وستمائة، فكانت مدة حياته اثنتين وسبعين سنة، وكان له نظم ونثر فائق، فمن ذلك قوله:
إن كانت العشاق من أشواقهم … جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا
فأنا الذي أتلو لهم: يا ليتني … كنت اتخذت مع الرسول سبيلا
[سنة ثلاث وتسعين وستمائة (١٢٩٤ م)]
فيها توجه الملك الأشرف خليل إلى نحو البحيرة على سبيل التنزه، فخرج من القاهرة في ثالث المحرم، فلما وصل هناك ضرب خيامه في مكان يعرف بالحمامات - وهو غربي تروجه - فأقام هناك مدة.
ثم أنه قصد أن يتوجه إلى ثغر الاسكندرية، فأرسل صاحب شمس الدين ابن السعلوس إلى ثغر الاسكندرية ليجهز الاقامات لأجل قدوم السلطان. فلما دخل ابن السعلوس الاسكندرية، وجد غلمان الأمير بيدرا النائب بثغر الاسكندرية وقد استولوا على بهار الأمير بيدرا وأدخلوه في الحواصل - وكان أعظم من بهار السلطان - فحصل بين ابن السعلوس وبين الأمير بيدرا تشاجر، فأرسل ابن السعلوس يكاتب السلطان بما جرى من غلمان بيدرا وما رأى عنده من البهار وما قاله غلمان بيدرا، وزاد على كل كلمة عشرا، وأغلظ في القول … فلما سمع السلطان ما في مكاتبة ابن السعلوس، غضب على الأمير بيدرا أشد الغضب، وأضمر له العطب، فكان كما قال القائل: