وفي عقيب موت رضى الدين توفي أيضا الناصري محمد بن عبد العزيز المقرئ، وكان علامة في فن القراءات حسن الصوت عارفا بطريقة القراءات، وكان لا بأس به.
وفيه نادى السلطان بألا يمشي أحد من الناس من بعد العشاء في الطرقات، ومن وجدوه يمشي ومعه سلاح يشنق من غير معاودة فسكن الأمر قليلا وكان قد فسدت الأحوال في تلك الأيام إلى الغاية.
[سنة سبع عشرة وتسعمائة (١٥١١ م)]
فيها - في المحرم - كان مستهل الشهر بالأحد. ففيه، في يوم الجمعة سادسة، كانت وفاة الأمير طراباي الشريفي رأس نوبة النوب. وكان أصله من مماليك الأشرف قايتباي فهو من معاتيقه، وولي من الوظائف السنية الدوادارية الثانية، ثم يقي رأس نوبة النوب في دولة الأشرف جان بلاط عوضا عن قرقماس بن ولي الدين الذي ولي الأتابكة فيما بعد وكانت وفاة الأمير طراباي في ليلة الجمعة، ودفن صبيحة يوم الجمعة، وكانت جنازته مشهودة، ونزل السلطان وصلى عليه في سبيل المؤمنين، وأخرجت قدامه كفارة ونهبت من على بابه، ودقت عليه زوجته بالطارات في العزاء، وكانت مدة انقطاعه بهذا العارض نحو شهر، وقد اعتراه ورم في رجله وركبته، وكان له بمصر حرمة وافرة وكلمة نافذة وسطوة زائدة لم تقع لأحد من الأمراء في عصرنا غيره. فرجت لموته القاهرة وفرح بذلك غالب الناس، فإنه كان صارما عسوفا شديد البأس زائد القسوة، وقع منه أشياء كثيرة من أنواع المظالم بالديار المصرية لم تقع من غيره من الأمراء فيما تقدم، وحصل منه الضرر الشامل لجماعة كثيرة من الناس من مصادرات وأخذ بيوت ورزق وحل أوقاف وغير ذلك من مفاسده. وقد قلت فيه هذه الأبيات:
بموت طراباي أفرج الله كربة … عن الناس من خلق السموات والأرض
فهذا فتوح عاد في مصر ثانيا … وعمت به الأقطار في الطول والعرض
وقد كان جبارا عنيدا معاندا … فكم جار في الأحكام بالبرم والنقض
ويبطل حق الناس من كل واجب … ويقضي خلاف الشرع في الندب والفرض