ولما طغى ظلما وزاد تجبرا … فعجل عزرائيل للروح بالقبض
وأسكنه ضيق اللحود معذبا … وأخلى منازله في طرقة الغمض
وقد جاء يسعى للجحيم برجله … وأجزم بعد الرفع بالنصب والخفض
ومذ شاع بين الناس أخبار موته … فصار يهني بعض من سر للبعض
فيا رب قابله بما يستحقه … وأودعه في الأغلال للبعث والعرض
كان الأمير طراباي من مبتدأ أمره وهو في عز وشهامة لم ينتكب ولم ينف قط، واستمر في سعده إلى أن مات، ومات وهو في عشر السبعين. فلما كان يوم السبت صبيحة موته عرض على السلطان مماليكه فوزعهم في الطباق، وأشيع بين الناس بأن ظهر له من الموجود ما لا ينحصر من أموال وخيول وجمال وسلاح وبرك وغير ذلك، فكان موجودة أعظم من موجود الأتابكي قرقماس بأشياء كثيرة، وكان بين موت الأتابكي قرقماس وبين موت الأمير طراباي ثلاثة أشهر واثنا عشر يوما، حتى عد ذلك من جملة سعد السلطان قانوصه الغوري الذي ورث هذين الأميرين في هذه المدة اليسيرة واحتاط على موجودهما من صامت وناطق.
وفي يوم الاثنين تاسعه حضر الطواشي بشير الذي كان توجه إلى بلاد اليمن قاصدا إلى بعض ملوكها، فلما حضر خلع عليه السلطان خلعة سنية ونزل إلى داره، ثم بعد أيام أهدى إلى السلطان هدية حافلة.
وفي يوم الأربعاء حادي عشرة قبض السلطان علي تغري بردي الترجمان، ووضعه في الحديد ووكل به، وأرسل ختم على بيته واحتاط على موجوده ورسم على عياله.
وسبب ذلك أنه قد بلغ السلطان أن تغري بردي كاتب ملوك الفرنج بأحوال مملكة مصر، وأن السلطان ليس له همة إلى إرسال تجريدة، وأن السواحل خالية ليس بها مانع. وقد أحضروا إلى السلطان مكاتبات بخط تغري بردي بمعنى ذلك وأوقفه على تلك المطالعات، فأنكر ذلك، فغضب عليه وشكه في الحديد ووكل به وأحضر خيوله وقماشه، واستمر في الترسيم إلى الآن.