كان مستهل المحرم يوم السبت، وفيه أرسل السلطان سليم شاه جماعة من الانكشارية وأوقفهم على أبواب المدينة يمنعون التهابه من نهب البيوت، ولما انكسر عسكر مصر خول السلطان سليم شاه وطاقه من بركة الحاج ونصبه في الريدانية، وشرعت العثمانية تقبض على المماليك الجراكسة من الترب وفساقي الموتى، ومن غيطان المطرية، قلما أحضروهم بين يدي السلطان أمر بضرب أعناقهم.
ثم إن بعض مشايخ العربان قبض على الأتابكي سودون الدواداري، وأحضره بين يدي السلطان سليم شاه. فلما حضر بين يديه وبخه بالكلام فوجده قد جرح وكسر فخذه وهو في حالة الأموات، فلم تأخذه عليه شفقة، بل أركبه على حمار وألبسه عمامة زرقاء وجرسه في وطاقه، وقصد أن يشهره في القاهرة، فمات وهو على ظهر الحمار، وقيل حز رأسه بعد الموت وعلقوها في الوطاق.
وصار العثمانية يكبسون الترب، ويقبضون على المماليك الجراكسة منها، وكل تربة وجد فيها مملوك جركسي حزوا رأسه ورأس من بالتربة التي وجدوه فيها من الحجازيين، وعلقوا رءوسهم في وطاق، فضرب في يوم واحد ثلثمائة وثلاثون رأسا من سكان الصحراء. وقيل كان فيهم ينابعة وأشراف، فراحوا ظلما لا ذنب لهم، وصاروا يكبسون الحارات والبيوت، ويفيضون على المماليك الجراكسة من اصطبلاتهم باليد، ويتوجهون بهم إلى الوطاق بالريدانية، فيضربون أعناقهم هناك. فلما كثرت رءوس القتلى بالريدانية نصبوا صواري وعليها حبال وعلقوا عليها رءوس من قتل من المماليك الجراكسة وغيرهم، حتى قيل قتل في هذه الواقعة بالريدانية فوق أربعمائة إنسان، ما بين جراكسة وغلمان، وعربان من الشرقية والغربية. وصارت الجثث مرمية من سبيل علان إلى تربة الأشرف قايتباي، فجافت منهم الأرض وصارت لا تعرف جثة الأمير من جثة المملوك، وهم أبدان بلا رءوس. وأما من قتل من عسكر ابن عثمان في هذه الواقعة فلا يحصي عددهم.