ثم أن ابن عثمان أرسل خلف المقر الناصري محمد بن السلطان العوري، فلما حضر ألبسه قفطانا من محمل أحضر مذهب، وألبسه عمامة عثمانية، وأعطاه ورقة بالأمان له على نفسه، ورسم له بأن يسكن في مدرسة أبيه التي أنشأها في الشرابشيين، وأسكن الدفتردار في بيته الذي في البندقانيين، وهو أحد وزراء السلطان سليم شاه.
ثم توجه إلهي الأمير يوسف البدري الوزير فأعطاه أمانا وألبسه قفطانا محملا وأقره متحدثا على جهات الغربية. وخلع على الأمير فارس السيفي تمراز وأقره كاشف المنية، وغير ذلك من الجهات القبلية وخلع على الزيني بركات بن موسى، وجعله متحدثا في الحسبة على أن يقرر بها من يختاره.
وفي يوم الأحد ثاني المحرم أشيع أن السلطان سليم شاه نقل وطاقة من الزيدانية ونصبه في بولاق من تحت الرصيف إلى آخر الجزيرة الوسطى، وقمد أحضروا إليه مفاتيح قلعة الجبل فلم يلتفت إلى ذلك، واختار الإقامة على شاطئ بحر النيل فلما كثرت العثمانية بالقاهرة صاروا يدورون في الحارات والأزقة والأسواق، وكل من رأوه ممن أولاد الناس لابسا زنطا أحمر وتخفيفه يقولون له: أنت جركسي، فيقطعون رأسه فلبس أولاد الناس كلهم عمائم حتى أولاد الأمراء والسلاطين قاطبة، وأبطلوا لبس التخافيف والزنوط من مصر.
وفي يوم الاثنين ثالث المحرم أوكب السلطان سليم شاه، ودخل إلى القاهرة من باب النصر وشق المدينة في موكب حافل، وقدامه الجنائب المسومة الكثيرة العدد، والعساكر التراكمة ما بين مشاة وركاب، حتى ضاقت بهم الشوارع. واستمر سائرا من المدينة حتى دخل من باب زويلة، ثم عرج من تحت الربع وتوجه من هناك إلى بولاق، ونزل بالوطاق الذي نصبه تحت الرصيف.
فلما شق من المدينة، ارتفعت له الأصوات بالدعاء من الناس قاطبة. وقيل: أن صفته درى اللون، حليق الدقن، وافر الأنف، واسع العينين، قصر القامة، وعلى رأسه عمامة صغيرة وكان عنده خفة ورهج، كثير التلفت إذا ركب الفرس. وقيل: إنه كان له من العمر حين داك نحو أربعين سنة أو دون ذلك، وليس له نظام يعرف مثل نظام الملوك السالفة.
وكان سيئ الخلق، سفاكا للدماء شديد الغضب، لا يراجع في القول.
ولما شق من القاهرة كان قدامة الخليفة والقضاة الأربعة وجماعة من المباشرين الذين كانوا بمصر، وكان ينادي كل يوم في القاهرة بالأمان والإطمئنان، والنهب عمال من جماعته، ولا يستمعون لمناداته. وحصل للناس منه الضرر الشامل.