للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدخل إلى البحرة، وقال للقضاة: "اشهدوا على أني قد خلعت نفسي من السلطنة". وقد تقدم ذلك في أول التاريخ من أخباره، فلما خلع نفسه من السلطنة أعاده الخليفة إلى السلطنة ثانيا، وكان سبب ذلك المماليك أيضا.

ثم إن السلطان أرسل خلف أغوات الطباق وهو في المقياس، فلما حضروا بين يديه صاروا يشكون له أن إقطاعاتهم لم يصل لهم منها شيء، وأن الحماية يأخذونها من المقطعين معجلا قبل أوان النيل بمدة، وأن لحوم العسكر مكسورة بالأشهر، وأن جميع البضائع غالية بسبب المشاهرة والمجامعة التي قررت على السوقة، وأن كل شيء غال حتى الخام والبعلبكي والتبن ما يوجد، وصارت الجامكية ما فيها بركة كونها من مال المصادرات، وأغلظوا عليه في القول، وقالوا له: "ليش ما تمشي على طريقة الملوك السالفة وتقل من هذا الظلم". ثم قرروا معه بأن يصرف للعسكر اللحوم المكسورة وأن يبطل المشاهرة والمجامعة، ويعزل المحتسب ويولي غيره، ويعزل الوزير والوالي ويولي غيرهما، فقال السلطان: "نعم أفعل لكم ذلك جميعه". وصاروا يشرطون عليه شروطا كثيرة من هذا النمط، وهو يقول: نعم. وكان ألماس دوادار سكين هو الذي يتردد بالرسائل بين السلطان وبين المماليك.

فلما طاب خاطر المماليك على ذلك أحضر لهم السلطان مصحفا شريفا وحلف عليه أغوات الطباق من الخاصكية، وكل واحد منهم على انفراده، بأن يرجعوا بقية المماليك، ويخمدوا هذه الفتنة ويكونوا تحت طاعة أستاذهم. فحلفوا على ذلك ودخلوا على السلطان، وباسوا له الأرض. وخمدت تلك الفتنة على خير … ولولا لطف الله تعالى في أخماد هذه الفتنة عن قريب، وإلا كان قصد المماليك الجلبان أن يهبوا المدينة وأسواق القماش وبيوت الأمراء وأعيان الناس ويقتلوا من الأمراء من أرادوا قتله، ولو فعلوا ذلك لطلع من يدهم، وكل مفعول جائز في هذه الأيام، ولكن الله سلم ولله الحمد على ذلك.

[سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة (١٥١٦ م)]

كان مستهل المحرم يوم الاثنين، وكان يومئذ خليفة الوقت أمير المؤمنين المتوكل على الله محمد ابن أمير المؤمنين المستمسك بالله يعقوب عز شرفهما. وسلطان مصر يومئذ الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري عن نصره.

وأما السادة القضاة الأربعة: فالقاضي الشافعي كمال الدين الطويل، والقاضي الحنفي قاضي القضاة حسام الدين محمود ابن قاضي القضاة سري الدين عبد البر بن الشحنة

<<  <  ج: ص:  >  >>