الخازندار، فصار جمال الدين يعارض المماليك فيما رسم لهم به السلطان من أنعام لهم.
فلما طال المجلس على السلطان، وأعيت الرسل المترددة بالرسائل بين السلطان وبين المماليك، قام السلطان من الميدان وقد أدركته صلاة الجمعة، فلما طلع أغلقت المماليك في وجهه باب السبع حدرات ثم رجموه من الطباق ولم يمكنوه من الدخول إلى الحوش، وقيل جاءته رحمة في تخفيفته وسبوه من الطباق سبا فاحشا بعبارة قبيحة.
فلما عاين السلطان ذلك خاف على نفسه من البهدلة فرجع إلى الميدان وخرج من باب الميدان الذي عند حوش العرب وخرج من بين الكيمان وتوجه إلى الروضة وعدى إلى المقياس وأقام به ذلك اليوم، ثم نادى لأصحاب المراكب أن لا يعدي أحد من النواتية بأمير ولا مملوك إلا بمشورة السلطان.
فلما قرب وقت صلاة الجمعة طلع جماعة من الأمراء المقدمين إلى صلاة الجمعة فلما بلغهم توجه السلطان إلى المقياس صلوا الجمعة بالقلعة، ثم نزل ستة عشر أميرا مقدم ألف، وتوجهوا إلى السلطان في المقياس لكي يرضوا خاطره على مماليكه مما وقع من المماليك في حقه … فلما اجتمعوا بالسلطان قال لهم:"أنا ما بقيت أعمل سلطانا، ولو عليكم أن تختارونه غيري". فبات تلك الليلة بالمقياس، وبات عنده الأمراء المقدمون.
فلما كان وقت المغرب نزل من القلعة الجم الغفير من المماليك الجلبان، وقصدوا أن ينهبوا بيوت الأمراء، فمنعوا بعضهم بعضا من ذلك، فنهبوا بعض دكاكين من الصليبة مثل الشمع والحلوى والخبز وغير ذلك واستمر الحال على ذلك بطول الليل وهم يشوشون على الناس، ويخطفون العمائم والشدود، وحصل منهم في تلك الليلة الضرر الشامل من أذى المماليك، وكان السلطان لما توجه إلى المقياس أخذ ولده معه خوفا عليه من المماليك أن ينكدوا عليه.
فلما كان يوم السبت تاسع عشرينه توجه الأمراء المقدمون قاطبة إلى السلطان، وكذلك الأمراء والطبلخانات العشراوات من أرباب الوظائف، فوقف الأتابكي سودون العجمي وبقية الأمراء المقدمين وباسوا الأرض للسلطان على أنه يقوم ويطلع إلى القلعة ويرضى عن مماليكه، فشق السلطان ملوطته وبكى حتى أغمي عليه، ورشوا على وجهه الماء وهو يقول:"ما بقي لي حاجة بسلطنة فأرسلوني أي مكان تختارونه وولو أمير كبير". فخاف أمير بير، وصار يرعب من كلام السلطان وحصل له وهم.
وقد وقع مثل ذلك للملك الأشرف قايتباي لما طلب منه المماليك نفقة عند حضورهم من تجريدة ابن عثمان، فجمع الأمراء قاطبة والخليفة والقضاة الأربعة، وأحضر القبة والطير وفرس النوبة وقال:"سلطنوا أمير كبير أزبيك"، وفكك أزرار ملوطته على أنه