وصل إلى غزة وردت عليه الأخبار بأن التتار بلغهم مجيء السلطان فخافوا ورحلوا عن مدينة الرحبة وتوجهوا إلى بلادهم، وقد كسرهم نائب الرحبة كسرة قوية. فلما تحقق السلطان ذلك قوى عزمه بأن يسافر من هناك إلى الحجاز الشريف، وقد سميت هذه التجريدة "الكذابة". .. ثم أن السلطان رد جماعة من الأمراء والعسكر إلى القاهرة، وأخذ معه بعض أمراء ومماليك سلطانية وتوجه من هناك إلى الحجاز الشريف. فلما قضى حجه رجع من هناك إلى الشام وأقام بها إلى أوائل شهر صفر من سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، فدخلها ثالث عشر صفر، وكان يوم دخوله إلى القاهرة يوما مشهودا، وزينت له المدينة زينة عظيمة، وحملت على رأسه القبة والطير، وفرشت له الشقق الحرير من التبانة إلى القلعة، ومشت الأمراء بين يديه حتى طلع إلى القلعة، وكان له موكب عظيم وهذه هي الحجة الأولى.
وفي أثناء السنة - وهي سنة اثنتي عشرة وسبعمائة - كانت وفاة الشيخ نصير الدين الحمامي وكان من فحول الشعراء وله شعر جيد، فمن ذلك قوله:
كدرت حمامي بغيبتك التي … تكدر فيها العيش من كل مشرب
فما كان صدر الحوض منشرحا بها … وما كان قلب الماء فيها بطيب
وقال في المعنى:
لي منزل معروفه … ينهل غيثا كالسحب
أقبل ذا العذر به … وأكرم الجار الجنب
وفي هذه السنة توفي أبو جبارة شارح "الشاطبية"، وكان من أعيان العلماء.
[سنة ثلاث عشرة وسبعمائة (١٣١٣ م)]
فيها سافر السلطان إلى نحو بلاد الصعيد لتمهيد البلاد، فإن العربان كانوا قد زادوا في الفساد. فلما توجه السلطان هناك ضيق عليهم حتى رحلوا إلى الجبال، فماتوا من الجوع والعطش، فأسر منهم نحو النصف وحملهم إلى القاهرة في مراكب وهم في الخشب، فسجن منهم جماعة واستعمل منهم جماعة آخر في حفر الجسور وهم في جنازير حديد.
ولما عاد السلطان من بلاد الصعيد أقام عند الأهرام في بر الجيزة أياما على سبيل التنزه - وكان ذلك في شهر رمضان - فلما قرب عيد الفطر طلع إلى القلعة وعيد بها.