للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخمور … وربما كان يقتل في ذلك اليوم جماعة من الناس ولا يوجد ما يمنع من ذلك لا من وال ولا من حاجب.

وكان أهل مصر يستعدون لذلك اليوم في كل سنة دائما من قديم الزمان، حتى قيل كان يباع بشبرا في مدة ثلاثة أيام بألف دينار خمر، وكان فلاحو شبرا لا يغلقون خراج أطيانهم إلا بما يبيعونه على الناس في يوم عيد الشهيد. وكان أعيان القبط والمباشرين، وأعيان الناس من المسلمين والأمراء، يكرون المراكب حتى ما يبقى في البحر مركب، ويوقدون فيها الشمع والقناديل في الليل حتى يسدوا البحر من كثرة المراكب. وكان الناس يعتقدون أن النيل لا يزيد إلا بإلقاء هذا الاصبع فيه، فقام الأمير صرغتمش في ابطال ذلك قياما عظيما، وأرسل الحجاب والأمير علاء الدين بن الكوراني الوالي إلى شبرا ومنع الناس من نصب الخيام على شاطئ البحر، وأشهر النداء هناك بمنع ذلك، ومن يفعل ذلك يشنق من غير معاودة … وكان ذلك من أجل متفرجات مصر لم يسمع بمثله في اللهو والقصف والفرجة.

ثم أن الأمير صرغتمش أمر بهدم تلك الكنيسة فهدموها، وأحضروا ذلك الصندوق الذي فيه اصبع الشهيد إلى ما بين يدي السلطان الملك الناصر حسن. فلما كان يوم الاثنين خامس عشر ربيع الأول جلس السلطان في الميدان الذي تحت القلعة، وأحضر ذلك الصندوق الذي فيه أصبع الشهيد وأمر بحرقه بحضرة الأمراء، ورسم بأن يذروا رماد ذلك الاصبع في بحر النيل، ففعلوا ذلك. وبطل من يومئذ أمر عيد الشهيد وما كان يحصل فيه من المفاسد العظيمة، وزاد النيل في تلك السنة زيادة عظيمة لم يسمع بمثلها، وزال من ظن الناس أن النيل لا يزيد إلا بالقاء ذلك الاصبع فيه، وبطلت السيئة في تلك السنة على يد المقر السيفي صرغتمش رأس نوبة النوب وأتابكي العساكر، وسطر ذلك في صحيفته إلى يوم القيامة كما قيل في المعنى:

للخير أهل لا تزا … ل وجوههم تسعى إليه

طوبى لمن جرت الأمو … ر الصالحات على يديه

[سنة ستين وسبعمائة (١٣٥٩ م)]

فيها توفى الأمير تنكزبغا المارديني أحد الأمراء المقدمين، وكان صهر الملك الناصر حسن. فلما مات أنعم السلطان باقطاعه على مملوكه يلبغا العمري الناصري، ثم خلع عليه وجعله أمير مجلس … وهذا كان أول عظمة الأمير يلبغا العمري.

<<  <  ج: ص:  >  >>