للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرده عن الأمير طاز. فلما مات شيخو قضى منه الأمير صرغتمش أربه. وقيده ونفاه إلى الاسكندرية.

فلما جرى ذلك خلع السلطان على الأمير منجك اليوسفي واستقر به نائب حلب عوضا عن الأمير طاز. ثم أن الأمير صرغتمش أشار بضرب فلوس جدد: كل فلس بدرهم، وشيء بدرهمين، وشيء بمثقال … فثقل أمر ذلك على الناس، وتضرر منه السوقة. وغلت سائر البضائع بسبب ذلك، ووقف حال الناس. وقد قال بعض الشعراء:

أميرنا أكرم من حاتم … لا يمنع السائل من فلسه

تقضي به حاجة من رامه … فخذه طوعا واخش من بأسه

ومن الحوادث في هذه السنة: رفعت قوائم إلى الأمير صرغتمش من ديوان الأحباس فيها عدة حصص جارية على منافع الكنائس والديور، فكان قدر تلك الحصص خمسة وعشرين ألف فدان بيد النصارى. فلما سمع الأمير صرغتمش بذلك حنق وطلع إلى القلعة وشاور السلطان على ذلك، فرسم السلطان بأن يخرج ذلك من يد النصارى، وكتب بذلك مربعات، وأنعم بها على الأمراء زيادة على اقطاعاتهم، ففرقت عليهم تلك المربعات الشريفة، وبطل ما كان بيد النصارى من تلك الرزق.

ثم أن السلطان رسم بهدم الكنائس والديور، وكان في شبرا كنيسة عظيمة على شاطئ بحر النيل، وكان بتلك الكنيسة صندوق من الخشب مقفول بقفل من حديد وفي داخله أصبع بعض من هلك من عباد النصارى يسمونه الشهيد، وكان هذا الأصبع مقيما بتلك الكنيسة دائما، وكان النصارى يتوارثونه من قديم السنين … فإذا كان ثامن شهر بشنس من الشهور القبطية أخرجوا ذلك الاصبع من الصندوق وغسلوه في بحر النيل، ويزعمون أن النيل لا يزيد في كل سنة حتى يلقوا فيه ذلك الاصبع ويسمونه عيد الشهيد، ويكون لذلك اليوم عيد ترحل إليه سائر النصارى من جميع القرى، وتخرج عامة أهل مصر من غنى وصعلوك، وينصبون الخيام على شاطئ بحر النيل بشبرا وفي الجزائر، ولا يبقى مغن ولا مغنية، ولا رب ملعوب ولا ماجن ولا خليع إلا ويجتمع هناك، فيجتمع عالم لا يحصى عددهم، وتصرف هناك أموال لا تنحصر، ويتجاهرون هناك بالمعاصي والفسوق وشرب

<<  <  ج: ص:  >  >>