يقال لها المدينة الخضراء من مدائن بني اسرائيل، وقد طمست بالرمال، فتارة تنقص عنها الرمال فتظهر، وتارة تطمها … فلاحت إلى هؤلاء المماليك وقت تنافص الرمل عنها.
وفي سنة أربع وأربعين وستمائة أنشأ الملك الصالح نجم الدين مدينة على أطراف الرمل وسماها الصالحية، وأنشأ بها الأسواق والفنادق والمساجد، فترايدت في العمارة وصارت مدينة على انفرادها.
وهو الذي أنشأ المدرستين تجاه باب الصاغة، وهي: النجمية، والصالحية قلعة العلماء.
ومن الوقائع في أيامه أن الأمير شهاب الدين بن يغمور والي القاهرة أمر بشنق عشرين رجلا كانوا يقطعون الطريق على الناس ويقتلون من يظفرون به، فلما شنقهم أمر الخفراء بحفظهم، فلما جاء الليل عدهم الخفراء فإذا هم تسعة عشر مشنوقا … فخاف الخفراء من الأمير شهاب الدين أن يسألهم عنه، فقعدوا على الطريق ينتظرون من يمر بهم فيشنقونه عوضا عن ذلك الرجل، وإذا بشخص قد مر بهم فقاموا إليه وأمسكوه وشنقوه مع جملة المشانيق، فلما لاح الصباح أتى الأمير شهاب الدين وعد المشانيق فإذا هم أحد وعشرون رجلا فقال للخفراء:"ومن هذا الرجل الزائد الذي معهم؟ ". فبهتوا … فقال لهم:
"ما شأنكم؟ ". فقالوا:"يا أيها الأمير، قد عددناهم في الليل فرأيناهم ناقصين واحدا، فمر بنا في الليل هذا الرجل فأمسكناه وشنقناه معهم". فقال لهم الأمير شهاب الدين:"أروني هذا الرجل المسكين الذي وقع لكم". فلما رآه وجده شخصا قاطع طريق وله مدة هو محث في طلبه ولا يقدر على تحصيله، فلما رآه سر به وتعجب من هذه الواقعة غاية العجب.
ثم ان الملك الصالح صفا له الوقت، وكثرت مماليكه، وطالت أيامه في السلطنة … فعند ذلك تعرض لقتل أخيه الملك العادل أبي بكر الذي كان في السجن بقلعة الجبل فقتله في ثالث شوال سنة أربعين وستمائة ودفن عند الإمام الشافعي ﵁. فلما قتل الملك الصالح أخاه العادل أقام بعد قتله أياما يسيرة، ثم ابتلاه الله تعالى بأكله طلعت في وجهه فرعته إلى آخره، واستمر عليلا وثقل المرض عليه.
[سنة سبع وأربعين وستمائة (١٢٤٩ م)]
فيها جاءت الأخبار بأن ريدا فرنيسي، ملك الافرنج (١)، أتى إلى ثغر دمياط في مائتي مركب مشحونة بالرجال، غير من أتى في البر من المقاتلين. وكان ريدا فرنسيس هذا قد استولى على غالب بلاد الأندلس وسبى أهلها، وقتل من المسلمين ما لا يحصى عددهم،