للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحشى أيضا مرسوما وأرسله إلى دمشق لما أمر باسقاط ما كان يؤخذ على كل حمل يدخل من باب الجابية من القمح خمسة دراهم من المكس، فرسم بإبطال ذلك وكتب في مرسومه بين السطور:" وقد أمرنا بأن تكشف عن رعايانا هذه الظلامة، ونستجلب بذلك الدعاء إلينا من الخاصة والعامة ". .. فهو أول سلطان حشى في مراسيمه بين السطور بخطه بيده.

فلما حضر شمس الدين ابن السعلوس من مكة إلى القاهرة، خلع عليه واستقر به وزيرا مستشار المملكة، وفوض اليه أمر السلطنة جميعها، وأحال الناس في أشغالهم عليه، وفصل الشجاعي من الوزارة، وكان حضور شمس الدين ابن السعلوس من مكة في ثلاث عشر المحرم مستهل سنة تسعين وستمائة، وقد حضر صحبة مبشر الحاج على الهجن، وجد المسير حتى حضر إلى مصر.

قيل: وكان أصل ابن السعلوس هذا من دمشق، وكان تاجرا بها، فحضر في بعض السنين إلى مصر، وكان له خط جيد، فسعى عند الأشرف خليل - وهو أمير في أيام والده قلاون - فجعله ناظر ديوانه، وصار يستأجر له مواضع كثيرة في البلاد الشامية، فيتحصل منها كل سنة جملة من المال، فحظي ابن السعلوس عند الأشرف حتى صار نديمة ولا يصبر عنه ساعة واحدة، واحتوى على عقله وملك لبه … فلما بلغ الملك المنصور قلاون ذلك، أمر بنفي ابن السعلوس إلى مكة، فأقام بها إلى أن مات المنصور قلاون وتسلطن ابنه خليل، فأرسل نحو ابن السعلوس نجابا مطردا كما تقدم، فلما حضر واستقر به وزيرا فوض اليه جميع أحوال المملكة، فكان يركب، ومعه جماعة من الأمراء الرءوس النواب والمماليك السلطانية في كل يوم حسبما رسم له السلطان بذلك، وكانت القضاة الأربعة تركب قدامه في أيام الموكب، وعظم أمره حتى صارت القصص تقرأ عليه، وينفذ أمرها من غير مشورة السلطان، فأظهر من الكبرياء والعظمة ما لم يظهره غيره، وانفرد بالكلمة في مصر دون غيره، وصار صاحب الحل والعقد بالديار المصرية والبلاد الشامية، وصار يجتمع بالسلطان في الليل في خلوة ويقضي أشغال الناس من سهلها لصعبها، كما قيل في المعنى:

ملك إذا قابلت بشر جبينه … فارقته والبشر فوق جبيني

وإذا لثمت يمينه وخرجت من … أبوابه لثم الملوك يميني

<<  <  ج: ص:  >  >>