وفيه كان دخول الأتابكي أزبك وبقية الأمراء والجند ممن كانوا مسافرين في التجريدة إلى علي دولات وإلى عسكر ابن عثمان، فلما دخلوا إلى القاهرة كان لهم يوم مشهود.
وقدامهم الأسراء من عسكر ابن عثمان، وهم مزندرين والصناجق منكسة، وكان صحبتهم جماعة من أعيان أمرائه، وهم بزناجير على خيولهم، وصحبتهم أيضا باش عسكر ابن عثمان، وهو أحمد بك بن هرسك، وهو راكب وفي عنقه زنجبير. وقيل أن ابن هرسك كان أميرا كبيرا أتابكي ابن عثمان. فلما عرضوا على السلطان وهو بالحوش، عاتب أحمد بن هرسك ووبخه بالكلام. ثم سلمه إلى الأمير قانصوه خمسمائة أمير آخور كبير، ثم وزع بقية الأسراء على جماعة من المباشرين، حتى قضاة القضاة. ثم خلع على الأتابكي أزبك وعلى بقية الأمراء ونزلوا إلى دورهم. وفي عقيب ذلك ثار جماعة من المماليك الجلبان على السلطان، ولبسوا آلة الحرب، وأشهروا السلاح - وكان ذلك في سلخ الشهر المذكور - فاضطربت الأحوال، ووزع أكثر الأمراء والناس حوائجهم في الحواصل، وغلقت الأسواق والدكاكين، وجاءت الزعر أفواجا أفواجا.
وقبل ذلك توجه جماعة من المماليك الجلبان إلى بيت أقبردى الدوادار، وتكلموا معه في أن يتكلم مع السلطان بأن ينفق عليهم في نظير تعب سرهم بسبب هذه النصرة التي وقعت لهم على عسكر ابن عثمان، وسألوه أيضا فيمن يعمل مصالحهم في مرتب اللحم والعليق. فلما اجتمع أقبردى بالسلطان كلمه في ذلك غير ما مرة وهو مصمم على عدم إجابتهم على ما سألوه فيه، فلما عاد الجواب لهم بعدم الإجابة في ذلك ثاروا عليه، واتسعت الفتنة، وغلقت الأمراء أبوابها، واستمر الحال على ذلك.
*****
وفي ذي الحجة لم يطلع أحد من القضاة إلى القلعة بسبب التهنئة بالشهر، وكانت الفتنة قائمة كما تقدم، ثم طلع الأتابكي أزبك إلى القلعة واجتمع بالسلطان وكلمه في أمر النفقة على المماليك، وتلطف به في القول فما أجاب إلى ذلك إلا بعد جهد كبير، فتقرر الحال على أنه ينفق عليهم لكل مملوك منهم خمسون دينارا، ثم نادى في القاهرة بأن النفقة ستكون في أول السنة الجديدة، فخمدت هذه الفتنة شيئا قليلا.
وفيه جلس السلطان على الدكة بالحوش، وحضر الأتابكي أزبك وفرقت الأقاطيع الشاغرة عمن توفي في هذه التجريدة من الجند، وصار الأتابكي أزبك هو المشار إليه في هذا الأمر.