للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما دخلوا إلى مصر كان للخليفة العباس موكب عظيم، وحمل الأتابكي شيخ على رأسه القبة والطير. فلما طلع الخليفة إلى القلعة وسكن بها سكن الأتابكي بباب السلسلة، فكانت الأمراء إذا نزلوا من عند الخليفة يدخلون إلى المقر الأتابكي شيخ في باب السلسلة، ويعطونه الخدمة ثانيا، فيقع بين يديه الابرام والنقض، والحل والعقد.

وكان الأتابكي شيخ لا يمكن الخليفة من كتابة مربعة أو منشورة أو مرسوم حتى يعرض عليه ذلك جميعه.

فاستمر الأمر على ذلك مدة يسيرة، ثم أن الأتابكي شيخ بدا له أن يتسلطن ويخلع الخليفة العباس من السلطنة، فعند ذلك أحضر القضاة الأربعة وسائر الأمراء وكتب محضرا بأن عربان الشرقية والغربية قد خرجوا من الطاعة، وكثر الفساد في البر والبحر، واضطربت الأحوال، وأن الوقت محتاج لاقامة سلطان تركي له سطوة يقمع أهل الفساد وتنصلح الأحوال على يده. فعند ذلك خلعوا الخليفة العباس من السلطنة ولم يخلعوه من الخلافة، فبايع الأتابكي شيخ بالسلطنة.

فلما تسلطن شيخ استمر الخليفة العباس بالقلعة في مكان محتفظا به لا يجتمع به أحد، فأقام على ذلك مدة يسيرة. ثم أن شيخ خلعه من الخلافة أيضا وولى أخاه داود وتلقب بالمعتضد بالله.

وكان الخليفة العباس لما خلع من الخلافة عهد إلى ولده، فمل يمض الملك المؤيد شيخ عهده، وولى أخاه داود، ثم أرسل الخليفة العباس إلى السجن بثغر الاسكندرية. وكانت مدة سلطنته بالشام ومصر ستة أشهر إلا أياما … فما كان أغناه عن هذه السلطنة.

وكان في مدة سلطنته مع الأتابكي شيخ في غاية الضنك، ليس له في السلطنة غير مجرد الاسم فقط والأمر كله للأتابكي شيخ. وكانت مدة خلافته دون السلطنة ثماني سنين وأشهرا.

واستمر الخليفة في السجن بثغر الاسكندرية إلى دولة الملك الأشرف برسباي، فأخرجه من السجن وأسكنه في بعض دور الاسكندرية. واستمر على ذلك إلى أن مات في الوباء الذي وقع في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وكانت وفاته في يوم الأربعاء حادي عشرى جمادي الآخرة من تلك السنة، ودفن هناك رحمة الله عليه.

ومن الحوادث في أيامه ما نقله الشيخ شهاب الدين بن حجر في تاريخه أن قاضي قضاة الحنفية، صدر الدين بن العديم، تولى الحسبة في تلك الأيام مضافا لما بيده من قضاة الحنفية، وهو أول من جمع بين القضاء والحسبة في وقت واحد، ولم يسمع بمثل ذلك فيما تقدم من الدول الماضية، وفيه يقول بعض الشعراء:

<<  <  ج: ص:  >  >>