دار ابن لقمان على حالها … والقيد باق، والطواشي صبيح
فلما وصلت هذه المطالعة إلى فرنسيس وسمع هذه الأبيات، رجع عن التوجه إلى مصر، وتذكر ما قد جرى عليه من الطواشي صبيح وما قاسى من ضربه له.
ومن هنا نرجع إلى أخبار الملك المعظم توران شاه … قيل لما حصلت هذه النصرة لتوران شاه ظن أن الوقت قد صفا له فتحول من المنصورة إلى فارسكور، فنصب له هناك برجا من الخشب على شاطئ البحر، ثم أحضر الأسارى من الافرنج وضرب أعناقهم بين يديه بالسيف، ثم قذفهم في البحر، ثم شرع يقرب جماعة من حاشيته ممن حضر معه من حصن كيفا وصار يعطيهم الوظائف السنية، وأبعد مماليك أبيه الملك الصالح، وأرسل إلى شجرة الدر زوجة أبيه يعدها بكل سوء، فأرسلت شجرة الدر تقول للأمراء والمماليك البحرية اقتلوا توران شاه وعلى رضاكم بكل ما يمكن.
وكان توران شاه عنده خفة ووهج في أموره، فكان إذا سكر يصف الشموع في الليل قدامه، ويأخذ السيف بيده، ويضرب به تلك الشموع ويقول:"هكذا أفعل بالمماليك البحرية … ". وكان أحمق جاهلا، لا يدري ما يضره وما ينفعه كأنه خشبة، وكان كما قال فيه القائل:
يا جامعا لخصال … قبيحة ليس تحصى
نقصت عن كل فضل … فقد تكاملت نقصا
لو أن للجهل شخصا … لكنت للجهل شخصا
فلما بلغ مماليك أبيه ذلك اضمروا له السوء وقد تغيرت خواطرهم عليه.
فلما كان يوم الاثنين تاسع المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة (١٢٥٠ م) جلس الملك المعظم توران شاه في الموكب والأمراء بين يديه، وكان قد أمر رءوس النواب أن يقفوا قدامه بعصى، وهي ملبسة بالذهب في أيام المواكب، فلما مضى الموكب وحضر السماط جلس الملك المعظم على السماط كجاري العادة، فتقدم إليه جماعة من المماليك البحرية وبأيديهم السيوف فضربوه على أصابعه فقطعوها، فقام وهرب ودخل ذلك البرج الخشب وأغلق عليه باب البرج، فأطلقوا في البرج النار، فخرج منه السلطان وألقى نفسه في