السلطنة بالديار المصرية، وخلع على الأمير قوصون وهو صاحب … (١) واستقر به أتابك العساكر، وخلع على الأمير طشتمر المعروف بحمص أخضر واستقر به دوادارا كبيرا على عادته. ثم دبت عقارب الفتن بين قوصون والأمير طاجار، وصار العسكر فرقتين:
فرقة مع الأمير قوصون، وفرقة مع الأمير طاجار الداوادار. ولم يخضع أحدهما لصاحبه.
ثم أن الأمير طاجار الدوادار حسن للسلطان أن يقبض على الأتابكي قوصون وهو في الخدمة بالقصر الكبير، فاسر السلطان ذلك إلى بعض الخاصكية، وكان السلطان من طبعه الخفة والوهج، فتوجه ذلك الخاصكي الذي أسر إليه السلطان إلى الأمير قوصون، وذكر له ذلك وأخبره بما قد عزم عليه السلطان من مسكه. وقد قيل في المعنى:
إذا المرء أفشى سره بلسانه … ولام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه … فصدر الذي يستودع السر أضيق
فلما تحقق الأتابكي قوصون ذلك اجتمع بالأمير أيدغمش أمير أخور كبير وجماعة من الأمراء، وذكر لهم ذلك، فاتفقوا على خلع الملك المنصور أبي بكر. فلما كان يوم الموكب امتنع الأتابكي قوصون عن طلوع القلعة، فاضطربت الأحوال في ذلك اليوم. ثم أن الأتابكي قوصون طلع القلعة في ذلك اليوم بعد انفضاض الموكب بعد الظهر على حين غفلة، وقبض على السلطان الملك المنصور أبي بكر وارسله إلى السجن بمدينة قوص، وأرسل معه أخويه - وهما سيدي يوسف وسيدي رمضان - فكانت مدة الملك المنصور أبي بكر في السلطنة نحو ثلاثة أشهر، وكان خلعه في شهر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة.
ثم أن الأتابكي قوصون قبض على الأمير طاجار الدوادار، والأمير بشتاك الناصري، وجماعة من الأمراء، وأرسلهم إلى السجن بثغر الاسكندرية، ثم قبض على جماعة من المماليك السلطانية. فلما وصل الملك المنصور إلى قوص، أرسل الأتابكي قوصون إلى متولي ناحية قوص بأن يقتل الملك المنصور وهو في البحر، فقتله وقطع رأسه وأرسلها إلى الأمير قوصون في الدس، وكتم موت الملك المنصور عن الناس، ولكن أشيع ذلك