وفيها ضرب السلطان القاضي موفق الدين أبا الفرج ناظر الجيوش المنصورة، فضربه مائة وخمسين عصا، كما ضرب القاضي تقي الدين بن محب الدين التيمي، ثم فصل موفق الدين من نظارة الجيش وخلع على القاضي كريم الدين بن مكانس واستقر به في نظارة الجيوش عوضا عن موفق الدين.
وفيها حضر إلى الأبواب الشريفة ابن ملك الكرج، وأخبر السلطان بأنه قد رأى في المنام النبي ﷺ وقال له:"امض إلى مصر، وأسلم على يد خادم الحرمين". .. فقال له الرجل ابن ملك الكرج:"ومن هو خادم الحرمين؟ ". .. فقال:"برقوق سلطان مصر". .
فلما سمع السلطان ذلك أكرمه وأحضر القضاة واستسلمه بحضرتهم، ثم أن السلطان أنزله في قصر خوند الحجازية بنت الملك محمد بن قلاون - وكان هذا القصر عند حبس الرحبة - ورتب له ما يكفيه إلى أن سافر إلى بلاده.
وفي هذه السنة كملت عمارة مدرسة السلطان التي بين القصرين، فلما كملت نزل السلطان إليها وذلك في يوم الخميس ثاني عشر جمادي الأولى من السنة المذكورة، فلما نزل السلطان اجتمع بالمدرسة القضاة الأربعة وسائر الأمراء ومقرئي البلد. ثم أن السلطان مد هناك سماطا عظيما، وملأ الفسقية التي في صحن المدرسة سكرا وفرقه على الناس بالطاسات. وفي ذلك اليوم خلع السلطان على الشيخ علاء الدين السيرامي واستقر به شيخ المدرسة، فأضاف إليه تدريس الحنفية. وخلع على الأمير جركس الخليلي أمير أخور كبير، وكان شاد العمارة. وخلع على معلم المعلمين الشهابي أحمد بن الطولوني قبالخ، وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش، وخلع على خمسة وعشرين مملوكا من مماليك جركس الخليلي، وخلع على المهندسين والمرخمين والنجارين والدهانين والبنايين لكل واحد خلعة، وفرق على الفعلة لكل واحد أشرفيين … وفي ذلك يقول ابن العطار:
قد أنشأ الظاهر السلطان مدرسة … فاقت على ارم مع سرعة العمل
يكفي الخليلي ان جاءت لدعوته … صم الجبال لها تسعى على عجل