فانكسر ذلك الجسر من تحت أرجلهم بعد أن تقدم فرس السلطان بخطوتين، فسقط المماليك المشاة في الخندق، فانصدع منهم جماعة كثيرة، ومات منهم واحد في تلك الساعة.
فلما طلع السلطان إلى قلعة الكرك وأقام بها، جمع الأمراء الذي كانوا معه وصرح لهم بما كان عنده من الكمين في خاطره من الأمير سلار والأتابكي بيبرس الجاشنكير، ورسم إلى الأمراء الذين توجهوا معه إلى الكرك بأن يرجعوا إلى القاهرة، وأنه قد اختار الإقامة بالكرك.
ثم أن السلطان رسم لنائب الكرك بأن ينزل من القلعة هو وجماعته، فتحول في الحال ونزل من القلعة بمن كان معه من الرجال، واستقر السلطان بقلعة الكرك، وكان السلطان قرر مع الأمراء الذين بمصر أنه إذا خرج المحل من القاهرة يلاقيهم من العقبة، وكان قرر معهم أن حريم السلطان يتوجهون صحبة المحمل وهو يلاقيهم من هناك.
فلما كان سابع عشر شوال خرج المحمل الشريف من القاهرة وصحبته حريم السلطان - وكان أمير المحمل في تلك السنة الأمير جمال الذين خضر بك ابن نوكبة - فلما وصل الحاج إلى العقبة أرسل السلطان فأخذ عياله من هناك والسنيح ومضوا إلى الكرك.
فلما وصلوا إلى هناك رسم السلطان للأمراء بالعودة إلى الديار المصرية، وأعاد صحبتهم خزائن المال والجنائب والعصائب السلطانية والحجن والكبابيش الزركش التي كانت معه برسم سفر الحجاز، وكتب مع الأمراء مرسوما يتضمن أن السلطان رغب عن الملك، واختار الإقامة بالكرك، وأن الأمراء الذي بالقاهرة يختارون لهم من يولونه سلطانا.
ثم أن الملك الناصر محمد خلع نفسه من الملك وأشهد عليه بذلك، فمضى الأمراء من عنده.
فلما كان يوم السبت ثالث عشرى شوال دخل الأمراء الذين كانوا صحبة السلطان في الكرك إلى القاهرة، فلما بلغ الأمراء الذين كانوا بمصر مجيء الأمراء على حين غفلة ركبوا جميعا وطلعوا إلى الرميلة ووقفوا بسوق الخيل، فقرءوا عليهم مرسوم السلطان بأنه قد رغب عن الملك وأشهد على نفسه بالخلع واختار الإقامة بالكرك.
فلما سمع الأمراء ذلك ضربوا مشورة مع بعضهم وقالوا:"إن راددنا السلطان في العود إلى الملك نخشى ألا يسمع … ويطمع العربان في البلاد إلى أن يعود الجواب إلينا بما يكون". .. ثم انفضوا ولم ينتظم لهم حال.
فلما كان وقت الظهر من ذلك اليوم ركب سائر الأمراء وطلعوا إلى القلعة، واجتمعوا في دار النيابة، وضربوا مشورة فيمن يولونه سلطانا، وكانت الكلمة يومئذ مجتمعة بين سلار نائب السلطنة وبين الأتابكي بيبرس الجاشنكير، فطال بينهما الجدال في أمر السلطنة.