وفي أواخر هذه السنة ظهر الطاعون ببلاد الصعيد، ولم يقع بها في سنة عشر وتسعمائة لما ظهر بالقاهرة.
وفي هذه السنة طلع إلى السلطان شخص يسمى أبو الخير المرافع، وقال له:"أنا ألتزم لك بمائتين وخمسين ألف دينار، أستخلصها لك ممن أعرفه، ولا تنتطح في ذاك شاتان"! فمال السلطان إلى كلامه، وقصد أن يخلع عليه ويشرع في ذلك، فاجتمع بعض الأمراء بالسلطان ورجعه عن ذلك فرجع ولله الحمد.
وفي هذه السنة تزايد ظلم الأمير طراباي رأس نوبة النوب، وشرع يأخذ أوقاف الناس، من بلاد وبيوت وغير ذلك، فيحلها في ساعة واحدة، ويرسم عليهم، ويأخذ أماكنم بأبخس الأثمان، وكل من امتنع من ذلك يضربه ضربا مبرحا ويدعه في الترسيم حتى يعذر له، ولا سيما ما وقع ليونس ابن جانم الزردكاش، أخذ منه بيت أبيه الذي أنشأه بزقاق حلب، فامتنع يونس من ذلك، فضربه ضربا مؤلما حتى أعذر له، وهو تحت العقوبة، وفعل مثل هذه الواقعة بجماعة كثيرة يطول الشرح في ذكرهم.
ومن الحوادث اللطيفة ما وقع في أواخر هذه السنة، أن السلطان أبطل المجراة القديمة التي كانت عند درب الخولي بمصر العتيقة، وشرع في بناء مجراة جديدة، فجمع المهندسين فاختاروا أن يكون مبتدأها من عند موردة الخلفاء، بالقرب من الجامع الجديد، فأنشأ هناك بئرا، وجعل لها مسربا من بحر النيل، وصنع على هذه البئر عدة سواقي نقالة، وأنشى من هناك مجراة على قناطر معقودة على دعائم متصلة إلى باب الزغلة، ومن هناك تتصل إلى الميدان والقلعة، فجاءت هذه المجراة من العجائب والغرائب، لكن صرف على بنائها ما لا يحصر من الأموال، وغالبه من وجوه الظلم والمصادرات.
وقد وقع في زمن الشيخ زين الدين بن الوردي رحمة الله عليه ما يشبه ذلك، وهو أن بعض الملوك أجرى قناة بدمشق إلى بعض الجوامع، وكان ذلك المصروف من مال فيه شبهة، فأنشأ الشيخ زين الدين في هذه الواقعة وهو يقول:
كرهت وضوءا من قناة تساق من … دماء الرعاية أو بمال محرم
سيشرق في يوم الحساب ندامة … كما شرقت صدر القناة من الدم
وفي هذه السنة طلعة جزيرة ببولاق تجاه ربع قانم التاجر، فصارت هذه الجزيرة في كل سنة تزرع أمقتة ورياحين، فتوجهت إليها الناس، وخرجوا في القصف والفرجة هناك عن الحد، وضربوا الخيام الكثيرة، وتعمل هناك أخصاص للمتفرجين بها، وصاروا يبيتون