للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصروي ناظر الجيش، والقاضي علاء الدين بن الإمام ناظر الخاص، والأمير تغري برمش متحدث مع القاضي شرف الدين الصغير في الوزارة، وشرف الدين يونس النابلسي متحدث على وظيفة الأستادارية الكبرى، وبقية المباشرين من أرباب الوظائف على حكم ما شرح في السنة الخالية.

وفي هذا الشهر وقع لقاضي القضاة الحنفي عبد البر بن الشحنة واقعة غريبة، وهي أن جمال الدين السلموني الشاعر هجا القاضي عبد البر بن الشحنة هجوا فاحشا. بقصيدة مطولة يأتي الكلام عليها. وسبب ذلك أن السلموني كان قد هجا معين الدين بن شمس وكيل بيت المال، وقد تقدم ذكر ذلك، فشكاه معين الدين إلى القاضي عبد البر، فأحضر السلموني بين يديه، وضربه وعزره وأشهره في القاهرة، وهو عريان مكشوف الرأس.

فلما بلغ السلطان ذلك، أرسل من خلصه من القاضي عبد البر. فلما خلص هجا عبد البر بهذه القصيدة الفاحشة، وقد دارت بين الناس، فلما بلغ القاضي عبد البر ذلك، شكا السلموني إلى السلطان لما طلع إلى القلعة في يوم التهنئة بالشهر، وعرض عليه تلك القصيدة التي هجاه بها … فأحضر السلطان السلموني بين يديه، ووبخه الكلام وقال له:

"أتهجو شيخ الإسلام بهذا الكلام الفاحش؟ "، فأنكر السلموني ذلك وقال: "أنا ما قلت فيه هذا كله"، فقامت عليه البينة بأن هذا نظمه، فرسم السلطان لقاضي القضاة عبد البر بأن يتوجه بالسلموني إلى المدرسة الصالحية، ويعمل معه ما يقتضيه الشرع الشريف، فنزل بالسلموني وهو في الحديد. وكان السلطان له عناية بالسلموني في الباطن. فلما أتوا به إلى الصالحية، تعصب عليه القضاة قاطبة وقصدوا ضربه بالسياط، وإشهاره في القاهرة

وهذه ثاني واقعة وقعت للسلموني بسبب الهجاء.

وقد ورد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه أول من عاقب على الهجاء … فلما أرادوا ضرب السلموني وتعزيره، تعصب له جماعة كثيرة من العوام، وقصدوا يرجمون قاضي القضاة عبد البر وهو في وسط إيوان المدرسة الصالحية، وجمعوا له الحجارة في أكمامهم، فما وسع القاضي عبد البر إلا أنه عفا عن السلموني من التعزير والإشهار في القاهرة. ثم أن القضاة أمروا بسجن السلموني، فسجن وأقام مدة طويلة في السجن، يأتي الكلام عليها. وأما القصيدة الموعود بذكرها فهي قصيدة مطولة فيها ألفاظ فاحشة إلى الغاية، وإساءة مفرطة لا ينبغي أن تذكر، ولكن نورد منها بعض أبياض مما نظمه جمال الدين السلموني، وهو قوله من أبيات:

فشا الزور في مصر وفي جنباتها … ولم لا وعبد البر قاضي قضاتها

أينكر في الأحكام زور وباطل … وأحكامه فيها بمختلفاتها

<<  <  ج: ص:  >  >>