للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعل ذلك استقامت أموره في السلطنة، وصفا له الوقت، وأنشأ له عصبة من الأمراء، فخلع على الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري، واستقر به أتابك العساكر، وفوض إليه جميع أمور المملكة، وانحصرت فيه الكلمة.

ثم جاءت الأخبار بأن جاليش عسكر هلاكو ملك التتار قد وصل إلى أطراف دمشق، ونهبوا البلاد وقتلوا العباد وأطلقوا فيهم الزناد، وكان ذلك في صفر سنة ثمان وخمسين وستمائة (١٢٦٠ م). فلما وصل الخبر إلى الديار المصرية اضطربت وماجت بأهلها، وقد بلغهم ما فعله هلاكو في بغداد وقتله للخليفة المستعصم بالله، وما جرى منهم في حق أهل بغداد من القتل والنهب وخراب البلاد كما تقدم.

ثم أن أميرا من أمراء هلاكو الذين وصلوا إلى دمشق يقال له كتبغا حضر إلى الملك قطز، وصحبته أربعة من التتار ومعهم كتاب من عند هلاكو، وكان مضمونه: من ملك الملوك شرقا وغربا، القان الأعظم … ونعت فيه نفسه بألفاظ معظمة، وذكر في الكتاب شدة سطوته وكثرة عساكره وما جرى على أهل البلاد منه ولا سيما ما فعله في بغداد وما جرى على أهلها منه … وأرسل يقول: "يا أهل مصر أنتم قوم ضعاف، فصونوا دماءكم مني، ولا تقاتلوني أبدا فتندموا".

وشرع يذكر في كتابه أشياء كثيرة من هذه الألفاظ الفاحشة اليابسة، فلما أن سمع الملك المظفر قطز مضمون ما في كتاب هلاكو أحضر الأمراء واستشارهم فيما يكون من أمر هلاكو، فقال الأمراء: نجمع العساكر من سائر البلاد ونخرج إليه ونقاتله أشد ما يكون من القتال.

ثم أن الملك المظفر قطز نادى في القاهرة بأن النفير عام إلى الغزو في سبيل الله تعالى، ثم انه عرض العساكر، وأرسل خلف عربان الشرقية والغربية، فاجتمع من العساكر ما لا يحصى ثم أنه أخذ في أسباب جمع الأموال، فأخذ من أهل مصر والقاهرة على كل رأس من الناس من ذكر وأنثى دينارا واحدا، وأخذ من أجرة الأملاك والأوقاف شهرا واحدا، وأخذ من أغنياء الناس والتجار زكاة أموالهم معجلا، وأخذ من الترك الأهلية الثلث من المال، وأخذ على الغيطان والسواقي أجرة شهر، وأحدث من أبواب هذه المظالم أشياء كثيرة، فبلغ جملة ما جمعه من الأموال في هذه الحركة ستمائة ألف دينار، فأنفق على العسكر والعربان، وبرز خيامه إلى الريدانية.

فلما كان أواخر شهر شعبان سنة ثمان وخمسين وستمائة نزل السلطان الملك المظفر قطز من قلعة الجبل وهو في موكب عظيم. فلما نزل بالريدانية، أمر بتوسط كتبغافويزبك - أمير هلاكو - ومن كان معه من التتار، ثم رحل من الريدانية ونزل بمنزلة الصالحية،

<<  <  ج: ص:  >  >>