وفي يوم السبت، حادي عشره، ثار جماعة من المماليك الجلبان ورجموا الناس من الطباق، فأسفرت هذه الواقعة على أن المماليك يرومون من السلطان نفقة لكل مملوك مائة دينار. وكان في تلك الأيام اللحم معطل بسبب المعلم على الصغير فإنه كان في الترسيم
فلما جرت هذه الحركة أراد السلطن أن يوسط المعلم على الصغير فشفع فيه بعض الأمراء. ثم أن المماليك نزلوا من الطباق وهم مشاة وتوجهوا إلى بيت الأتابكي قرقماس فأركبوه غصبا وقالوا له:"اطلع إلى السلطان وقل له ينفق علينا" ثم توجهوا إلى سودون العجمي أمير مجلس وأركبوه غصبا، ثم توجهوا إلى الأمير طراباي رأس نوبة النوب وأركبوه غصبا، ثم توجهوا إلى الأمير طومان باي الدوادار وأركبوه غصبا، فلما طلعوا بهم إلى القلعة تكلموا مع السلطان في أمر النفقة فامتنع من ذلك غاية الامتناع وكاد أن يخلع نفسه من السلطنة، فلما ردوا الجواب على المماليك بأن السلطان امتنع من إعطاء النفقة فاتسعت الفتنة ونزل المماليك من الطباق أفواجا أفواجا وهم بزموط وكباشيات ومطارق في أيديهم، فتوجهوا إلى سوق جامع أحمد بن طولون فنهبوا منه عدة دكاكين، وكذلك دكاكين الصليبة، ثم توجهوا إلى سوق تحت الربع فنهبوا منه عدة دكاكين، وكذلك دكاكين البسطيين وغير ذلك من الأسواق حتى كادت مصر أن تخرب عن آخرها في ذلك اليوم. وأغلقت الأمراء أبوابها خوفا من المماليك، فاستمروا ذلك اليوم على هذا الحال والأمر مضطرب، وقد نهب للناس أشياء كثيرة بنحو عشرين ألف دينار. والتف على المماليك الجم الغفير من الغلمان والعبيد … وبات الناس تلك الليلة على وجل ولم يجدوا من يرد المماليك عن ذلك، وكانت ليلة مهولة وكل مفعول فيها جائز، وقد قلت في ذلك:
يا رب إن المماليك … جاروا علينا بعسف
واستفتحوا العام فينا … بوقع نهب وخطف
ثم أصبحوا يوم الأحد على ما هم فيه من النهب والخطف، وتزايد الأمر جدا ومنعوا الأمراء من الركوب والمرور في الطرقات، وغلقت الأسواق، ثم أن السلطان نادى للمماليك بالعرض في الحوش، فلم يطلع منهم أحد، واستمروا على ذلك إلى يوم الاثنين فلبسوا آلة السلاح وتوجهوا إلى الأزبكية وهجموا على الأمير دولات باي أمير سلاح وأرادوا أن يسلطنوه، ففر منهم وطلع إلى عند السلطان. ثم أن المماليك بلغهم أن الأمراء يقصدون الوثوب عليهم ويقبضون منهم على جماعة فعند ذلك قلعوا آلة السلاح وطلعوا إلى الطباق، ثم أن الوالي نادى في القاهرة بأن لا مملوك ولا عبد ولا غلام يمشي في الأسواق من بعد المغرب، وصار كل من رآه يمشي من بعد المغرب يوسطه. فوسط في ذلك اليوم من العبيد والغلمان جماعة كثيرة، فسكن الحال قليلا. ثم أن الأمير طومان باي