للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمصر قاطبة. وقد جمع بين الدوادارية الكبرى والاستادارية العالية وكاشف الكشاف ونائب الغيبة.

وكان يركب في كل يوم اثنين وخميس ويسير نحو المطرية، ويدخل من باب النصر، ويشق القاهرة وقدامه الجم الكثير من العسكر والأمراء المقدمين، وقدامه سعاة وعبيدة نفطية يرمون بالنفط من المكاحل فترج له القاهرة كلما شق منها وفتح السد في غيبة السلطان، وكان له يوم مشهود. ولم يزل على ذلك حتى نبت موت السلطان الغوري، ورجعت الأمراء من التجريدة، فوقع الاختيار منهم على سلطنته، فامتنع من ذلك غاية الامتناع، والأمراء تقول ما عندنا سلطان إلا أنت، وهو يمتنع من ذلك.

ثم ركب هو والأمير علان وجماعة من الأمراء المقدمين. وتوجهوا إلى كوم الجارح عند الشيخ أبي السعود، فلما جلسوا بين يديه وذكروا له ذلك تعلل الأمير طومان باي على السلطنة بأنواع من العلل: منها إن خزائن بيت مال المسلمين ليس فيها درهم ولا دينار، فإذا تسلطنت ما أنفق على العسكر شيئا. ومنها أن ابن عثمان ملك البلاد الشامية وهو زاحف على مصر، وأن الأمراء لا يطاوعوني على الرجوع إلى السفر ثانيا. ومنها أنه إذا تسلطن يغدرون به، ويركبون عليه، ويخلعونه من السلطنة، ويرسلونه إلى السجن بثغر الإسكندرية، ولا يبقونه في السلطنة إلا مدة يسيرة. ثم إن الشيخ أبا السعود حصر بين يدي الأمراء مصحفا شريفا وخلف عليه الأمراء الذين جاءوا بصحبته بأنهم إذا سلطنوه لا يحامرون عليه ولا يعدرونه، ولا يثيرون فتنا … وأنهم ينتهون عن مظالم المسلمين قاطبة فحلفوا كلهم على المصحف الشريف بمعنى ذلك. فلما تحالفوا ترشح أمير طومان باي إلى السلطنة، وانفض المجلس على ذلك، وتوجه الأمراء إلى بيوتهم.

فلما كان يوم الجمعة رابع عشر شهر رمضان من هذه السنة صلى الأمير الدوادار صلاة الفجر، وركب ومعه الأمراء المقدمون وقدامه الفوانيس والمشاعل، فطلع إلى باب السلسلة وجلس به. فلما ركب من بيته الذي في درب البابا شق من الصليبة، وهو بتخفيفة صغيرة وملوطة بيضاء، وكذلك الأمراء الذين طلعوا صحبته. فارتفعت له الأصوات بالدعاء، وانطلقت النساء له بالزغاريت من الطيقان.

فلما استقر بباب السلسلة أرسل خلف أمير المؤمنين يعقوب والد أمير المؤمنين المتوكل على الله، فحضر وصحبته سيدي هرون ولد الخليفة محمد المتوكل على الله وأولاد ابن عمهم خليل، وحضر قاضي القضاة الحنفي حسام الدين محمود بن الشحنة، والقاضي شرف الدين يحيى بن البرديني أحد نواب الشافعية، وجماعة نواب القضاة الذين بالقاهرة، فلما تكامل المجلس واجتمع سائر الأمراء المقدمين وغيرهم من الأكابر والأصاغر

<<  <  ج: ص:  >  >>