للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتشاتما وتسابا سبا قبيحا، وقال فخر الدين بن عوض لخشقدم: أنت كنت سببا لوقوع الفتنة بين أستاذنا الغوري وبين ابن عثمان، فتحمل خشقدم من فخر الدين بن عوض، وشق عليه ذلك.

فلما كان يوم السبت ثامن عشري ذي الحجة، طلع خشقدم إلى القلعة، ووقف إلى ملك الأمراء خاير بك، وشكا له فخر الدين بن عوض مما قاله في حقه، فتعصب له جماعة من العثمانية، وأغلظوا على خاير بك في القول بسبب فخر الدين بن عوض فلما طلع ابن عوض إلى القلعة يوم السبت، وبخه خاير بك بالكلام، وقامت عليه النائرة من أمراء ابن عثمان الذين بمصر، وقالوا له: "هذا خلى إسناده الغوري وهرب من عنده وجاء إلى الخنكار وصار من جماعته، وأنت تبهدله وتشمته؟ "، فقامت البينة على ابن عوض بأنه شتم خشقدم وسبه، فغضب خاير بك على ابن عوض، وأمر بوضعه في الحديد، وأسلمه للوالي، ورسم له بأن يوسطه، فقصد الوالي أن ينزل به من القلعة ليوسطه. فقامت جماعة من المباشرين وتداخلوا على خشقدم، وأصلحوا بينه وبين فخر الدين بن عوض، فدخل إلى ملك الأمراء خاير بك، وشفع فيه من التوسيط وقاسى ابن عوض في ذلك اليوم غاية البهدلة من أمراء ابن عثمان بسبب خشقدم.

وكان ابن عوض مستحقا لذلك، فإنه صار في هذه الأيام من وسائط السوء ولا سيما ما فعله في جهات الغربية، ووضع يدع على رزق الناس وأوقافهم، واستخراج خراجهم، وضاعت على الناس حقوقهم، وحصل منه الضرر البليغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وفي ذلك اليوم حضر هجان بكتب الحاج وقد حضر في السابع والعشرين من ذي الحجة، وأشيع عن كتب الحجاج أن مكة بها غلاء، وقد وصل الحمل الدقيق إلى أربعين دينارا، ووصل الأردب القمح إلى عشر أشرفيات، ووصلت البطلة الدقيق إلى ثلاث أشرفيات. وكذلك اشتد السعر في سائر البضائع والأصناف والغلال، وذكروا أنه مات من الجمال ما لا يحصى، حتى وصل كراء الموهية إلى أربعين دينارا، وذكروا من هذا النمط أشياء كثيرة، وأن أمير مكة السيد الشريف نادى في مكة أن لا أحد من الناس يجاور بمكة تلك السنة بسبب الغلاء.

وأشيع عن كتب الحجاج أن الشهابي أحمد بن الجيهان قد جاور بمكة، وكذلك مصلح الدين خازندار بن عثمان، وغير ذلك من الأعيان، والذين كانوا بها نزلوا صحبة الحجاج لما اشتد أمر الغلاء بمكة.

انتهى ما أوردناه من حوادث سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وقد خرجت هذه السنة على خير، وكانت سنة صعبة شديدة على الناس، كثيرة الحوادث والفتن، جرت فيها أمور

<<  <  ج: ص:  >  >>