وفيه قدمت الأخبار من الصعيد بأن الأمير علي ابن عمر، خرج يغزو صاحب النوبة، وأن الصعيد أحواله مضطربة.
وفي يوم الجمعة سابعه خرج الأمير جانم الحمزاوي دوادار ملك الأمراء وقصد التوجه إلى نحو البلاد الشامية، وسبب ذلك أن ملك الأمراء أرسل على يده تقدمة حافلة إلى شخص من أمراء ابن عثمان يقال له: بري باشا، وكان من أعيان أمراء ابن عثمان، وكان مقيما على البيرة، وقيل: بحلب. فلما خرج الأمير جانم الحمزاني ووصل إلى العكرشا، وردت عليه الأخبار من هناك بأن الأمير بري باشا الذي خرج بسببه قد توجه إلى نحو إسطنبول، وقد تغلب عليه العسكر الذين كانوا على البيرة من الغلاء وشدة البرد، فرجع إلى إسطنبول إلى أن يذهب الشتاء. فلما تحقق الأمير جانم الحمزاوي رجوع الأمير بري باشا إلى إسطنبول، أرسل يشاور ملك الأمراء في أن يرجع إلى مصر أو يسافر إلى حلب، فرسم له ملك الأمراء بالعود إلى مصر، فرجع من العكرشا، وصحبته التقدمة التي عينت لبري باشا.
ومن الحوادث أن ملك الأمراء رسم للوالي بأن ينادي في القاهرة بسد قناطر الخروبي الثلاث، فورعوا سد هذه القناطر على السكان الذين بيوتهم فوق السور. فحصل للسكان الذين بيوتهم فوق السور غاية الضرر من مصروف العمارة على ذلك. وأشيع سد قناطر السباع أيضا، وقنطرة الموسكي، ولم يعلم ما القصد من ذلك. فسدوا قناطر الحروبي الثلاث بالحجارة، فعد ذلك من النوادر الغريبة، وكثر القيل والقال في ذلك.
وفي يوم الاثنين عاشره كان عيد النحر، فلم يفرق ملك الأمراء على أحد أضحية، لا على الأمراء ولا على العسكر، وقطع ضحايا الفقهاء والمباشرين، حتى ضحايا الزوايا والمزارات التي في القرافة وغيرها، وقال:"أنا ما أمشي إلا على طريقة ابن عثمان في سائر أفعاله". وقطع الأضحية التي كانت تفرق في الأعياد.
وفي أواخر هذا الشهر وقع بين ملك الأمراء وبين الأصباهية من عسكر ابن عثمان، وقالوا له أعطنا دستورا لنسافر إلى بلادنا فإنا اشتقنا إلى بلادنا وعيالنا. فقال لهم حتى أرسل أشاور الخنكار. فقالوا نحن ما نصبر حتى تشاور. وأغلظوا على سنان باشا في القول، وقالوا له هذا كله شغلك، فاتفق معهم ملك الأمراء أنه بعد مضي الشتاء يأذن لهم بالسفر والعودة إلى بلادهم.