خلع على شخص من الأتراك وقرره في ولاية قطيا عوضا عن قان بردي بحكم غيبته كما تقدم.
وفي يوم الأربعاء سابع عشره ركب عبد العظيم الصيرفي نائب المحتسب، ونادى في القاهرة بأن أرباب الدكاكين من السوقة يبيضون دكاكينهم ويزخرفونها بالدهان، ويبيضون آلات النحاس التي عندهم في الدكاكين لأجل مجيء القاضي بركات بن موسى المحتسب من الحجاز.
وفي يوم الأربعاء المقدم ذكره وقعت حادثة مهولة، وهي أن ملك الأمراء نزل من القلعة وتوجه إلى نحو بركة الحبش، وعزم على وردبش دوادار نائب الشام الذي حضر بالتقدمة، فصنع له هناك مدة حافلة، ونصب سيباي له هناك سحابة عظيمة، وحضر عنده الأمير قايتباي الدوادار، وجماعة من الأمراء الجراكسة، وحضر جماعة من الأمراء العثمانية منهم سنان باشا وفائق بك، وحضر الأمير كشمبغا والي القاهرة، وجماعة من الجراكسة.
فلما انقضى أمر المدة أحضرة ملك الأمراء سفرة الشراب، فلما دارت عليهم الكاسات وطلع الحمر في رؤوسهم، طفح ما كان في قلوبهم من الغدر. فقال فائق بك لكمشبغا الوالي: الجراكسة خائنون. وأجرى ذكر جان بردي الغزالي بما لا يليق فقال له كمشبغا:
الله يعلم من هو الذي خان منا نحن أو أنتم، وقد كتبتم أمانكم في أوراق وفرقتوها على الأمراء ووضعوها على رؤوسهم، وطلوا إليكم بالأمان فغدرتم بهم وقتلتموهم فمن خان منا نحن أو أنتم. ثم تزايد بينهما الكلام الفج حتى خرجا في ذلك عن الحد، فوثب فائق بك على كمشبغا الوالي بخنجر ليقتله فجاءت الضربة في قفطانه فانخرق، فوثب كمشبغا على فائق بك ليقتله فحال بينهما الحاضرون.
ثم ركب كمشبغا، وركب جماعة من المماليك الجراكسة، وسلوا سيوفهم، وركب جماعة من العثمانية وسلوا سيوفهم، وقصدوا الوثوب على بعضهم، وكادت أن تكون فتنة عظيمة تذهب فيها الأرواح، فتنكد ملك الأمراء لذلك وركب على الفور، وحال بين الفريقين، وخمدت هذه الفتنة قليلا، ورسم للعثمانية أن يمضوا على طريق مصر العتيقة، ومضى هو والأمراء الجراكسة على طريق القرافة، واستمر على ذلك حتى طلع إلى القلعة من الميدان، فما رأى نفسه في القلعة وفي عينه قطرة. وقد اضطربت أحواله وخاف أن هذه الفتنة تتسع. فقيل: إنه حلف لا يشرب خمرا في هذه السنة، واستمرت النفوس معمرة بالعداوة بين فائق بك وبين كمشبغا الوالي، وهذه الحادثة أول حوادث سنة خمس وعشرين وتسعمائة.