خياما كثيرة وسنيحا، وصنع له هناك القاضي شرف الدين الصغير مدة حافلة، وكان صحبته جماعة من الأمراء العثمانية وغير ذلك من المماليك الجراكسة، فلما رجع من شبرامنت أقامت بالقلعة ثلاثة أيام، ثم عزم عليه الأمير كمشبغا الوالي في خليج الزعفران، ومد له هناك مدة حافلة، وأقام عنده إلى ما بعد العصر، ثم عاد إلى القلعة في يومه، وكان نهار شعت وغبار وهواء مريسي، فلم يتهنأ بالفرجة في ذلك اليوم.
وفيه حضر قاسم الشرواني الذي كان نائب جدة، وجرى منه ما جرى كما تقدم ذكره، فأرسل ملك الأمراء خلفه، وأحضره في الحديد، فأحضر سجنه ملك الأمراء بالعرقانة التي هي داخل الحوش السلطاني إلى أن يكون من أمره ما يكون.
وفيه حضر مبشر الحاج وأخبر بالأمن والسلامة، وأن الوقفة كانت عندهم بالجمعة، وأن الأسعار انحطت عما كانت عليه قليلا، وأخبر المبشر أيضا أنه لما دخل الحاج إلى مكة ثارت فتنة عظيمة بين عبيد أمير مكة بركات، وبين جماعة من العثمانية، وقتل من الفريقين نحو عشرة أنفار، ثم خمدت تلك الفتنة وزال الشر قليلا بعد ما كاد أن يتسع.
وفيه توفي صاحبنا الشرفي يحيى بن الناصري محمد الأزبكي، الذي كان أغات الغوري، فأشيع بعد موته أنه وجد له من الذهب العين عشرة آلاف دينار، فعد ذلك من النوادر، فإن أباه محمد الأزبكي لم يكن في سعة من المال، ولا أجداده ولا أقاربه.
وفي يوم الخميس سلخ هذا الشهر، توفي الشيخ جلال الدين عبد الرحمن، ابن الشيخ زين الدين قاسم المالكي، وكان عالما فاضلا، علامة في مذهبه، ولي قضاء المالكية في أيام السلطان الغوري، أخذها عن قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن أبي شريف.
وفي ذلك اليوم وقع بالقلعة خباط هين، وهو أن ملك الأمراء وقف له طائفة من المماليك الجراكسة بسبب أن لهم جامكية شهرين مكسورة، فلما وقفوا إليه وبخهم بالكلام، وطفش فيهم، وقال لهم لا زلتم حتى أوقعتم بيني وبين نائب الشام، وأنتم تغدون وتروحون وتشكونني عنده. فقام الأمير قايتباي الدوارار وجعل يرقع للمماليك ويقول له هؤلاء مماليك وعبيدك، وإنما يفعلون ذلك من الجوع والقلة. فقال ملك الأمراء والله والله لولا أنا ما خلي الخنكار مملوكا يلوح على وجه الأرض، فإني شفعت فيكم من القتل. فقال له الأمير قايتباي: الكل صاروا رعيتك، ولهم أولاد وعيال، وقد مسهم الفقر والفاقة، والآن يطلبون صدقة الخنكار وصدقتك، فرسم بشهر واحد يصرف لهم من جامكيتهم، وكان لهم شهران مكسوران في الديوان.
وقد خرجت هذه السنة عن الناس على خير، وهم مرتابون من الغلاء وقلة الأمن وجور التركمان عليهم، وتناهى سعر الأردب القمح إلى ثلاثة أشرفية واثني عشر نصفا