الناس، فقامت الأشراء على ملك الأمراء من العلماء والفقهاء، وأنكروا عليه أنه عزل يحيى بن التاج عن مشخية الحضور بالجامع المؤيدي من غير جنحة ولا سبب، وقرر بها من هو من غير أهلها، ولم يكن يستحق ذلك، وهذا من البدع المنكرة.
وفي يوم الخميس خامسه، نزل ملك الأمراء من القلعة، وصحبته الأمير قايتباي الدوادار وجماعة من الأمراء الجراكسة ومن الأمراء العثمانية، وجماعة كثيرة من المماليك الجراكسة نحو خمسمائة مملوك، وقيل: أكثر من ذلك، ومن الأصباهية والكملية والانكشارية الجم الكثير، وعدة رماة بالنبدق الرصاص، وأشيع عنه أنه يقصد التوجه نحو البلاد الشرقية، فصلى صلاة الصبح، ونزل وشق من القاهرة، وشق من بين الترب، واستمر سائرا والأمراء والعسكر حوله حتى نزل بالعكرشا، ثم توجه إلى شبين، ثم توجه منها إلى مرصفة، وقد اختلفت الأقوال في ذلك، فمن الناس من يقول: إنه خرج يسرح في الشرقية على سبيل التنزه والفرجة، ومن الناس من يقول: إنه خرج سبب محاربة عربان السوالم، والأول أصح، فخرج صحبته سائر المباشرين قاطبة.
فلما كان يوم الثلاثاء عاشره، حضر القاضي بركات بن موسى من عند ملك الأمراء وعليه عمامة هوارية، وقد خلع عليه قفطانا مخملا مذهبا، وحضر صحبته ستة أنفار بو وقد سلخوا وحشوا تبنا، فقيل: إنهم من عربان السوالم فأركبوهم على خيول، وعليها بركستوانات مخمل، وألبسوهم جوخا وشاشات على زنوط فوق رؤوسهم، وقدامهم اثنا عشر رأسا مقطوعة، وهي على رماح، قيل: إنهم من أعيان عربان السوالم، فشقوا بهم من القاهرة، وكان ذلك اليوم مشهودا، فعلقوا جماعة من المسلوخين ومن الرؤوس على باب زويلة، علقوا الباقي على باب النصر.
وكان من ملخص هذه الواقعة ما أشيع واستفاض بين الناس، أن إياس كاشف الشرقية تحيل على مشايخ عربان السوالم، وأرسل لهم والأمان، فركنوا له وحضروا إليه، فصنع لهم ضيافة، فلما استقروا عنده أرسل يعلم ملك الأمراء بذلك، فأرسل إليه القاضي بركات بن موسى ومعه جماعة من المماليك الجراكسة، فتوجهوا نحو عربان السوالم، وخرج صحبتهم عربان البلاد المجاورة من منية حمل والجوسق المحروقة وغير ذلك، فوقعوا مع السوالم، وكان بينهم واقعة مهولة، فانكسرت السوالم وقبضوا على بقية مشايخهم.
ثم أن العسكر والعربان نهبوا نجع السوالم عن آخره، وغنموا منه ما لا يحصى من جمال وخيول وسلاح وقماش ونحاس ومصاغ وغير ذلك من عبيد وجوار، حتى أخذوا نساءهم وأولادهم، فلما وقعت هذه الكسرة على السوالم هرب من بقي منهم إلى الأودية