وكان استيلاؤه على مدينة حلب في أواخر رجب سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، واستولى على دمشق في سلخ رمضان، واستولى على الديار المصرية في المحرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، فكانت مدة إقامته في القاهرة نحو ثمانية شهور من مستهل المحرم إلى أواخر شعبان، واستقر بخاير بك نائبا عنه بمصر.
وأما مدة استيلائه على مملكة الروم من حين توفي والده السلطان أبو يزيد إلى الآن، فنحو تسع سنين إلا شهرا، فإن والده أبا يزيد توفي في ثاني جمادى الأولى سنة ثمان عشرة وتسعمائة، وكان استيلاؤه على مملكة الروم في حياة والده بأشهر، فإن والده أقام مريضا ملازما الفراش مدة طويلة، فيقال: إنه عجل على أبيه وقتله لأجل الملك، ثم أنه خنق أخاه قرقط، وقتل أخاه أحمد، وظن أن الوقت قد صفا له، فتلاعبت به الدنيا كما تلاعبت بغيره من الملوك، ودهاه الموت الذي لا يدفع بقوة ولا حيلة، وقد صار في رمسه رهين الذنوب، لا يعلم أهو في نعيم أو في عذاب، وقد رثيته بهذه الأبيات.
لابن عثمان قصة فاسمعوها … واعجبوا منصنع ربي تعالى
ملك الشام للفرات وأضحى … فاتكا في الأنام روحا ومالا
وأراد الدخول في كل مصر … قلت هيهات رمت هذا محالا
طردته عنها سهام الدياجي … بدعاء فيها يفوق النبالا
بعد ما جار في الأنام بقتل … من جيوش يدك منها الجبالا
منذ جاروا وبالغوا في آذاهم … قد سألنا الإله بكشف حالا
فاستجاب الدعا ومن علينا … بانفراج الهموم جل تعالى
وأتننا أخباره بزوال … صيرت رشده حقيقا محالا
كم ملوك أذلها بعد عز … وسطا فيهمو وأفنى الرجال
لهف قلبي على ملوك تفانوا … من سطا سيفه وطال اشتعالا
ذلت الروم بعد ما قد دهاهم … موت أستاذهم وشاعوا المقالا
زال عنا بموته دون حرب … وكفى الله المؤمنين القتالا
وفي ذلك اليوم أشيع موت ابن ملك الأمراء الذي كان مقيما بإسطنبول، وكان رهينا عند ابن عثمان من حين استولى أبوه على نيابة السلطنة بمصر، ولما تحقق ملك الأمراء موت السلطان سليم شاه أظهر الحزن والأسف وشق أثوابه ولبس السواد. وكذلك الأمير قرا موسى، وخير الدين نائب القلعة وفرحات، وسائر الأمراء العثمانية لبسوا السواد، حتى الأمير قايتباي الدوادار لبس السواد، ووضع على رأسه شدا أزرق وأظهر الحزن.