فعظم أمر الزيني أبي الوفا في هذه الأيام جدا، حتى صار في مقام من تقدم من كتاب السر، وصار من أعيان الرؤساء بالديار المصرية.
ثم إن الجمالي يوسف بن أبي الفرج أخذ من الناصري محمد بن خاص بك رزقتين بمكاتيب شرعية، فطعن في هذه الرزق وقال له أصل هذه الرزق أقاطيع سلطانية، فأخذ منه المكاتيب وأشهد عليه بأن لا حق له فيها، وطلع بها إلى ملك الأمراء، وصار يفعل من هذا النمط بجماعة كثيرة من رجال ونساء، ويأخذ مكاتيبهم من أيديهم ويشهد عليهم أن لا حق لهم فيها ويطلع بالمكاتيب إلى ملك الأمراء، فأطلق في الناس جمرة نار، وضج منه الناس قاطبة، حتى قيل أخذ من أيدي الناس فوق الثمانين رزقة بمكاتيب شرعية. وطلع بها إلى ملك الأمراء، وحصل للناس منه الضرر الشامل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
وما اكتفى ملك الأمراء بيوسف بن أبي الفرج حيث جعله مفتش الرزق الجيشية، فجعل الأمير علي العثماني مفتش الأوقاف أيضا من بلاد وبيوت وغير ذلك، فاجتمع على بابه الرسل الغلاظ الشداد، والبزددارية، وصاروا يطلبون الناس أصحاب الأوقاف، فإذا حضروا ومعهم مكاتيبهم ينجشون عليهم ويقولون لهم ايش على هذا الوقف مصاريف، وايش متحصله في كل شهر، فيدعون أصحاب الأوقاف في الترسيم، ويقررون عليهم مبلغا ثقيلا للأمير علي هو ودواداره والبزددارية والرسل ومن عنده من المباشرين، ويكتبون له على مكاتيبه عرض، ثم يطلقونه بعد أن يلتهب من الغرامة فوق ما لا يطيق، فصار الأمير علي يتكلم على فرع من أبواب المظالم المهولة، فأطلق في الناس النار الموقدة.
وأقول أن أولاد ابن أبي الفرج طول عمرهم بيت ظلم وعسف، وطبعهم الأذى هم وأجدادهم من أيام الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق، وقد تقدم القول على ذلك.
ومن الحوادث في أواخر هذه السنة أن ملك الأمراء جهز مراكب أغربة وفيها جماعة من القاتلين، فتوجهوا إلى البحر المالح، وقد بلغه أن جماعة من الفرنج يعبثون في السواحل على المسافرين، فلما توجهوا إلى البحر المالك، وجدوا مراكب فيها تجار من الفرنج، ومعهم بضائع بنحو خمسين ألف دينار، فتقاتلوا معهم فكسروا الفرنج، وقبضوا عليهم واحتاطوا على ما معهم من البضائع، فلما حضروا إلى مصر، وعرضوا على ملك الأمراء، رسم بتوسيط نحو تسعة عشر نفرا من الفرنج، فراحوا ظلما، وأخذت أموالهم، وربما يثور من هذه الحركة فتنة كبيرة بين الفرنج وبين أهل مصر بسبب ذلك، ويمنعون التجار من المرور في البحر، ويقتلونهم كما فعلوا بالفرنج المقدم ذكرهم.