للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكروا له آيات من كتاب الله تعالى، وأحاديث عن رسول الله ، فلم يلتفت ملك الأمراء إلى شيء من ذلك، وقال للشيخ شمس الدين محمد اللقاني المالكي:

"اسمع يا سيدي الشيخ، إيش كنت أنا؟ الخنكار رسم بهذا، وقال امشوا في مصر على اليسق". فقال له شخص من طلبة العلم يقال له عيسى المغربي: هذا يسق الكفر، فحنق منه ملك الأمراء، فرسم بتسليمه إلى الوالي ليعاقبه، فتوجهوا به إلى بيت الوالي، ثم شفع فيه بعض الأمراء.

فلما كان عقيب ذلك توجه إلى ملك الأمراء جماعة من النجارين والقلامطة، وعلى رؤوسهم مصاحف، وهو يستغيثون (الله ينصر السلطان سليمان). فظن ملك الأمراء أنهم من الجامع الأزهر، ثم تبين أنه نجارون وقلافطة، أتوا يشتكون من الشاد على المراكب التي عمرها ملك الأمراء في الروضة، بأنه قد ظلمهم وجار عليهم. فلما كثر منهم الضجيج، رسم ملك الأمراء لمن حوله من الانكشارية بضربهم، فشتتوا أجمعين.

ثم طال المجلس بين ملك الأمراء وبين مشايخ العلم الذين حضروا، فكان من جوابه للشيخ شمس الدين اللقاني المالكي: "يا سيدي الشيخ أنا أخاف على رقبتي أكثر من رقابكم، امضوا باسم الله". فقاموا من عنده وهم في غاية القهر، يتعثرون في أذيالهم، ولم يلتفت إلى أقوالهم، فقال له بعض الفقهاء الذي حضروا: "نحن نسافر إلى السلطان سليمان نصره الله تعالى، ونخبره بما يفعل في مصر"، فتنكد ملك الأمراء في ذلك اليوم بعد ما كان منشرحا، ثم قام من هناك وطلع إلى القلعة، وخرج القاصد من هناك وتوجه من يومه وسافر إلى اسطنبول.

فلما رجع الفقهاء من عند ملك الأمراء، قامت الأشلة والنائرة على ملك الأمراء، وكثر الدعاء عليه بسبب عقود الأنكحة، وقصدوا يغلقون أبوب الجوامع والمساجد، فلما جرى ذلك أرسل ملك الأمراء الزيني أبا الوفا الموقع، يأخذ بخاطر الشيخ شمس الدين محمد اللقاني، وقال له: لا تؤاخذ ملك الأمراء، فإنه لم يكن يعرفك. وأرسل على يد الزيني أبي الوفاء الموقع مائتي دينار وأربع بقرات، ففرقت على مجاوري الجامع الأزهر، وأرسل مثل ذلك إلى مقام الإمام الشافعي، والإمام الليث ، وأرسل مثل ذلك إلى الزوايا التي بالقرافة، وإلى مشهد السيدة نفيسة ، وغير ذلك من الزوايا والمزارات والمساجد، وقصد أن يستجلب خواطر العلماء والفقهاء مما فعله من الأفعال الشنيعة، ليمحو ذلك بذلك، وهذا من المحالات، كما يقال في المعنى:

جفاء جرى جهرا لدى الناس وانبسط … وعذر أتى سرا فأكد ما فرط

<<  <  ج: ص:  >  >>