للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناصر شيء من التقادم إلا ويهدي للأتابكي بكتمر مثله أو أحسن منه، فكثرت أموال الأتابكي بكتمر حتى قيل: كان في اسطبله مائة سطل نحاس بيد مائة سائس، وتحت يد كل سائس طوالة خيل من الخيول الخاص، وحوى من الأموال والجواهر والتحف ما لم يحوه قبله أحد من الأمراء، فلما ثقل أمره على الملك الناصر لم يتمكن من القبض عليه، فلما حج معه بلغ الملك الناصر أن الأتابكي بكتمر يقصد قتله في طريق الحجاز ويتسلطن هناك، فبادر إليه الملك الناصر ودس عليه من سقاه سما هو وولده الأمير أحمد ابن أخت الملك الناصر فماتا وهما في أثناء الطريق راجعين كما تقدم ذكر ذلك.

قال بعض المؤرخين: لما مات الأتابكي بكتمر بعيون القصب احتاط الملك على موجوده الذي كان معه بطريق الحجاز فوجد معه خمسمائة تشريف ما بين خلع أطلس ومتمرات وكوامل وغير ذلك، ووجد معه عدة قيود وجنازير في خوشخانات … فعند ذلك تحقق الملك صحة ما نقل عن الأتابكي بكتمر في أمر أنه قصد قتل السلطان هناك.

وكان الأتابكي بكتمر يغلظ على السلطان في القول إذا رأى منه الجور في حق الرعية، وكان يحجر عليه في ذلك، وكان السلطان يرجع إلى قول الأتابكي بكتمر في غالب الأمور ولا يخالفه في شيء إذا أصر عليه.

وكان صفة الأتابكي بكتمر: أبيض اللون مشربا بحمرة، أسود اللحية، معتدل القامة، وافر العقل، حسن العبارة في كلامه، عليه سكينة ووقار، وكان قليل الأذى في حق الرعية، وله بر ومعروف … فمن ذلك أنه أنشأ خانقاه في القرافة الصغرى بالقرب من الجبل المقطم، وقرر بها صوفية وحضورا، ووقف عليها أوقافا كثيرة، ووضع بها ربعة عظيمة مكتوبة كلها بالذهب، قيل إن مصروفها نحو ألف دينار، وهي موجودة إلى الآن، وكان بهذه الخانقاه حمام وفرن وطاحون وساقية وجنينة، وكان بها جماعة من الصوفية قاطنون بها، وكان له آثار كثيرة بمصر والشام.

فلما مات الأتابكي بكتمر قرب السلطان الأمير قوصون ورقاه. قيل أنه أنعم عليه بزردخانة الأتابكي بكتمر، فقوم ما فيها من السلاح وغيره فكان بنحو ستمائة ألف دينار، ثم أن السلطان زوّج الأمير قوصون بإحدى بناته. ولم يزل قوصون يرقي في أيام الملك الناصر حتى فاق على الأتابكي بكتمر في أيامه. قيل وقع يوما بين الأتابكي بكتمر وبين الأمير قوصون تشاجر فقال قوصون للأتابكي بكتمر: "أنا ما نقلت من الأطباق إلى الإسطبلات، بل أخذني السلطان من شخص تاجر كنت في خدمته. فلما أخذني السلطان اتفق أن في ذلك اليوم توفي واحد من الخاصكية الثقال فأنعم على السلطان باقطاعه وبركه وبيته، وصرت خاصكيا في ذلك اليوم. وسبب ذلك أن التاجر الذي كنت عنده لما قال له

<<  <  ج: ص:  >  >>